مقدمة
سرطان العظام من أنواع السرطان النادرة و الغير شائعة ، إلا أن تأثيره كبير وخطير خاصة إذا تأخر تشخيصه. يعاني الكثير من المرضى من أعراض مبكرة يتم تجاهلها أو تفسيرها على أنها أعراض بسيطة أو أعراض لإصابات أو أمراض عضلية هيكلية غير خطيرة. ومع أن التشخيص المبكر لا يضمن دائماََ الشفاء التام، إلا أنه يزيد من فرص العلاج الناجح ويحسن من نوعية الحياة. في هذا المقال، نسلط الضوء على الأعراض المبكرة التي قد تشير إلى وجود سرطان في العظام، ونوضح كيف يمكن اكتشاف المرض في مراحله الأولى، مع التركيز على أهمية الوعي والمراقبة الذاتية والتشخيص الطبي المبكر.
ما هو سرطان العظام؟
سرطان العظام هو نوع من السرطان ينشأ إما داخل العظام نفسها (السرطان الأولي) أو ينتشر إلى العظام من أعضاء أخرى في الجسم (السرطان الثانوي أو النقيلي). من أشهر الأنواع الأولية لسرطان العظام “الورم الغرني العظمي” (Osteosarcoma) و”الورم الغرني الغضروفي” (Chondrosarcoma) و”ورم إيوينغ” (Ewing’s sarcoma). أما السرطان الثانوي، فينتج عادة عن انتشار السرطان من الثدي، الرئة، البروستاتا، أو الكلى.
ورغم تنوع أنواع هذا المرض، فإن الأعراض المبكرة تتشابه في معظم الحالات، ويمكن أن تكون الإشارة الأولى إلى وجود مشكلة خطيرة تستدعي التقييم الطبي الفوري.
الألم العظمي غير المبرر
أول وأهم الأعراض
يُعد الألم العظمي غير المبرر أول وأكثر الأعراض شيوعاََ لسرطان العظام. في البداية، يكون الألم خفيفاََ ومتقطعاََ، ويشبه في طبيعته الألم الناتج عن التواء أو إصابة طفيفة في العظم. لكنه مع الوقت يبدأ في التفاقم ويصبح مستمراََ، خاصة أثناء الليل أو عند الراحة.
ما يميز هذا الألم عن آلام العضلات أو الإصابات الرياضية هو:
• استمراريته حتى بعد الراحة.
• زبادة الألم مع الوقت دون سبب واضح.
• عدم استجابته لمسكنات الألم العادية.
• ارتباطه بموضع محدد في العظم وليس العضلات أو المفاصل المحيطة.
هذه الخصائص ينبغي أن تأخذ على محمل الجد ، خاصة إذا استمر الألم لأكثر من أسبوعين دون أي تحسن.
ظهور ورم أو كتلة
من العلامات التي قد تصاحب الألم أو تسبق ظهوره ظهور تورم أو كتلة صلبة في المنطقة المصابة. قد تكون هذه الكتلة غير مؤلمة في البداية، لكنها غالبًا ما تصبح مؤلمة
عند الضغط أو مع الوقت. في بعض الأحيان، يظهر الورم بشكل واضح بالقرب من المفاصل، مثل الركبة أو الكتف، وقد يسبب تقييدًا في الحركة. التورم المتزايد تدريجيًا، خاصة إذا لم يرتبط بإصابة، يجب أن يُفحص من قبل طبيب مختص.
سهولة حدوث الكسور
عندما يصيب السرطان العظم، فإنه يضعف بنيته، مما يجعله عرضة للكسر بسهولة. الكسور الناتجة عن إصابة خفيفة أو حتى دون إصابة تُعد مؤشراََ مهماََ، خصوصاََ في العظام الكبيرة مثل عظم الفخذ أو الذراع أو الحوض. في هذه الحالة، تكون الشكوى من ألم شديد ومفاجئ مع وجود كسور غير متوقعة في الأشعة و قد تكون دون سبب، مما يستوجب فحصاََ دقيقاََ لتحديد ما إذا كان هناك ورم أو تلف نسيجي سابق أدى إلى الكسر.
فقدان الوزن والتعب غير المبرر
رغم أن هذه الأعراض غير خاصة بسرطان العظام، فإنها قد ترافقه في مراحله المبكرة، خاصة إذا بدأ الورم في التأثير على التمثيل الغذائي للجسم أو في إنتاج مواد التهابية.
يشكو بعض المرضى من:
• نقص ملحوظ في الوزن بدون سبب أو تغيير في النظام الغذائي أو النشاط البدني.
• شعور دائم بالإرهاق والتعب حتى دون بذل مجهود.
• ضعف عام أو انخفاض القدرة البدنية.
الربط بين هذه الأعراض الجسدية العامة والأعراض الموضعية كالألم أو التورم ضروري لتقييم الحالة.
الحمى و التعرق ليلاََ
في بعض حالات سرطان العظام، خاصة “ورم إيوينغ”، قد تظهر الحمى المتكررة والتعرق الليلي كعلامات مبكرة. هذه الأعراض تنجم عن الاستجابة المناعية للجسم ضد الخلايا السرطانية أو بسبب إفرازات الورم نفسه.
قد يتجاهل المريض أو الطبيب هذه الأعراض باعتبارها علامات على عدوى أو حالة التهابية عادية، مما يؤخر التشخيص. لذا فإن استمرار هذه الأعراض دون تفسير واضح يجب أن يثير الشك، خصوصاََ إذا ترافقت مع ألم أو تورم في العظم.
تغير في وظيفة الطرف المصاب
مع تطور الورم داخل العظم، يبدأ في التأثير على الأعصاب والأنسجة المحيطة، مما قد يسبب:
• تنميل أو وخز في الأطراف.
• ضعف في حركة المفصل القريب من العظم المصاب.
• تغير في طريقة المشي إذا كان الورم في عظام الساقين.
• ضعف القوة المبذولة و صعوبة في حمل الأشياء أو استخدام اليد إذا كان الورم في الذراع.
تغيرات الوظيفة التي لا تُفسَّر بإصابة مباشرة تستدعي مراجعة طبية في أقرب وقت.
كيف تكتشف سرطان العظام مبكراََ؟
اكتشاف سرطان العظام مبكراََ يبدأ بالانتباه للأعراض وعدم تجاهل الإشارات التي يرسلها الجسم. وفيما يلي أهم الخطوات التي تساعد على الاكتشاف المبكر:
1. عدم إهمال الألم المستمر
أي ألم عظمي يستمر أكثر من أسبوعين دون تحسن أو يزداد بمرور الوقت يجب أن يُفحص من قبل طبيب مختص. لا ينبغي الاهمال أو الاعتماد فقط على المسكنات أو العلاج الطبيعي في هذه الحالات.
2. إجراء الفحوصات التصويرية المبكرة
عند الشك و الاشتباه في وجود مشكلة عظمية، يُنصح بإجراء أشعة بسيطة (X-ray)، تليها في بعض الحالات فحوصات متقدمة مثل:
• الرنين المغناطيسي (MRI) للكشف عن تفاصيل الورم ومكانه.
• المسح النووي للعظام (Bone Scan) للكشف عن انتشار المرض.
• الأشعة المقطعية (CT Scan) لتحديد موقع الورم بدقة.
3. الخزعة العظمية
إذا أظهرت الفحوصات وجود ورم، تُؤخذ عينة من النسيج العظمي لفحصها تحت المجهر. الخزعة هي الوسيلة الوحيدة لتأكيد التشخيص.
4. التحاليل الطبية المخبرية
قد يُطلب إجراء تحاليل دم تساعد على تقييم مدى انتشار المرض أو تأثيره، مثل:
• مستويات الكالسيوم والفوسفات.
• مؤشرات الالتهاب مثل CRP وESR.
• اختبارات وظائف الكلى والكبد.
عوامل تزيد من خطر الإصابة
رغم أن سرطان العظام قد يصيب أي شخص، إلا أن هناك عوامل تزيد من خطر الإصابة:
• العوامل الوراثية: مثل متلازمة لي-فروميني أو داء باجيت العظمي.
• العلاج الإشعاعي السابق: خاصة في حالات علاج السرطانات الأخرى.
• التعرض للمواد الكيميائية المسرطنة.
• إصابات مزمنة أو التهابات عظمية طويلة الأمد.
إذا كان الشخص ينتمي لفئة عالية الخطورة، فإن المتابعة الطبية الدورية والتقييم الفوري لأي عرض جديد تصبح أكثر أهمية.
أهمية الوعي المجتمعي والتثقيف الصحي
إن واحدة من أكبر مشكلات سرطان العظام هي التأخر في التشخيص بسبب نقص الوعي. كثير من الناس يظنون أن ألم العظام مجرد عرض عابر ناتج عن الإرهاق أو الحركة، ولا يدركون أنه قد يكون تحذيراََ مبكراََ لمرض خطير. لذلك، فإن:
• نشر التوعية بين الشباب والمراهقين، لأن بعض أنواع سرطان العظام شائعة في هذه الفئة.
• التثقيف الطبي للكوادر الصحية الأولية، لضمان الإحالة السريعة إلى الأخصائيين.
• إجراء حملات كشف دورية في الحالات عالية الخطورة.
كلها عوامل يمكن أن تسهم في اكتشاف سرطان العظام في مراحله الأولى، حينما تكون فرصة العلاج والنجاة أكبر.
الختام
سرطان العظام ليس شائعاََ لكنه من السرطانات التي قد تكون خطيرة وصامتة في بدايتها. الأعراض المبكرة مثل الألم العظمي المستمر، التورم غير المبرر، الكسور المفاجئة، أو التعب العام يجب أن لا تُهمل أو تُفسر بتسرع. الاكتشاف المبكر لا يعتمد فقط على الطبيب بل على وعي المريض واستعداده للاستماع إلى جسده والبحث عن التشخيص الصحيح.
الاستجابة السريعة لهذه الأعراض، مع المتابعة الطبية الدقيقة، قد تصنع فرقا ََكبيراََ و واضح بين حياة تستمر بأقل الأضرار، ومرض يتقدم بصمت حتى يصل مراحل يصعب فيها العلاج.
إذا شعرت بشيء غير طبيعي في جسدك، لا تؤجل الفحص. فكل يوم قد يُحدث فرقاََ كبيراََ و نتائج عظيمة في العلاج.