المؤشرات والمخاطر الصحية للدهون الثلاثية و الكوليسترول

مقدمة

تلعب الدهون والكوليسترول دورًا مهمًا في جسم الإنسان، إذ تشارك في العديد من الوظائف الحيوية مثل بناء الخلايا، إنتاج الهرمونات، وتخزين الطاقة. إلا أن اختلال مستوياتها، سواء بالزيادة أو النقصان، قد يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة، أبرزها أمراض القلب والأوعية الدموية مثل تصلب الشرايين و الجلطات .
من هنا تنبع أهمية تحليل الدهون والكوليسترول، الذي يُعد أداة تشخيصية أساسية للكشف عن هذه الاختلالات وتحديد المخاطر المحتملة قبل تفاقمها.

في هذا المقال سنستعرض بشكل مفصل ما هو تحليل الدهون والكوليسترول، ما هي مكوناته، وكيف تُفسر نتائجه، بالإضافة إلى أهم المؤشرات التي يجب الانتباه لها، والمخاطر الصحية المترتبة على ارتفاع أو انخفاض مستويات الدهون والكوليسترول.

أولًا: ما هو تحليل الدهون والكوليسترول؟

تحليل الدهون، أو ما يُعرف بـ “Lipid Profile” أو “Lipid Panel”، هو فحص دم يُجرى لقياس مستويات أنواع مختلفة من الدهون في الجسم. يتضمن هذا التحليل قياس:
1. الكوليسترول الكلي (Total Cholesterol)
2. الكوليسترول الضار (LDL – Low-Density Lipoprotein)
3. الكوليسترول الجيد (HDL – High-Density Lipoprotein)
4. الدهون الثلاثية (Triglycerides)

يُجرى هذا التحليل عادة بعد صيام يتراوح بين 9 إلى 12 ساعة لضمان دقة النتائج، خصوصًا فيما يتعلق بقياس الدهون الثلاثية.

ثانيًا: مكونات تحليل الدهون والكوليسترول

1. الكوليسترول الكلي (Total Cholesterol)

يمثل مجموع مستويات الكوليسترول الموجودة في الجسم، بما في ذلك الكوليسترول الجيد والضار. لا يُعتمد عليه منفردًا لتقييم صحة القلب، بل يجب النظر إليه ضمن سياق مكونات التحليل الأخرى.

المعدلات الطبيعية العامة:
• المستوى الطبيعي: أقل من 200 ملغ/ديسيلتر.
• الحد الأعلى: 200–239 ملغ/ديسيلتر.
• المرتفع: 240 ملغ/ديسيلتر فأكثر.

2. الكوليسترول الضار (LDL)

يُعرف بـ “الكوليسترول السيئ” لأنه يتراكم في جدران الشرايين ويؤدي إلى تصلبها وانسدادها. ارتفاع مستواه هو أحد أبرز عوامل خطر الإصابة بأمراض القلب.

القيم المرجعية العامة:
• الأمثل: أقل من 100 ملغ/ديسيلتر.
• القريب من الأمثل: 100–129 ملغ/ديسيلتر.
• مرتفع قليلاً: 130–159 ملغ/ديسيلتر.
• مرتفع: 160–189 ملغ/ديسيلتر.
• مرتفع جدًا: 190 ملغ/ديسيلتر فأكثر.

3. الكوليسترول الجيد (HDL)

يُعرف بـ “الكوليسترول الجيد” لأنه يساعد على إزالة الكوليسترول الضار من الدم وينقله إلى الكبد ليُطرح خارج الجسم، وبالتالي يحمي القلب.

القيم المرجعية العامة:
• المنخفض (خطر): أقل من 40 ملغ/ديسيلتر للرجال، وأقل من 50 ملغ/ديسيلتر للنساء.
• المقبول: 40–59 ملغ/ديسيلتر.
• المرتفع (حماية للقلب): 60 ملغ/ديسيلتر فأكثر.

4. الدهون الثلاثية (Triglycerides)

هي شكل من أشكال الدهون تُخزن في الجسم وتُستخدم كمصدر للطاقة. ارتفاع مستواها قد يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب، خاصة عند ترافقه مع انخفاض HDL وارتفاع LDL.

القيم المرجعية العامة:
• الطبيعي: أقل من 150 ملغ/ديسيلتر.
• الحد الأعلى للطبيعي: 150–199 ملغ/ديسيلتر.
• مرتفع: 200–499 ملغ/ديسيلتر.
• مرتفع جدًا: 500 ملغ/ديسيلتر فأكثر.

ثالثًا: أهمية تحليل الدهون والكوليسترول

تحليل الدهون يُعتبر أداة ضرورية لتقييم الحالة الصحية للقلب والأوعية الدموية، ومن أهم فوائده:
• تشخيص فرط شحميات الدم (Hyperlipidemia): وهي حالة تشير إلى ارتفاع مستويات الدهون في الدم.
• الكشف المبكر عن خطر أمراض القلب و الاوعية الدموية  والسكتة الدماغية.
• متابعة فعالية الأدوية أو النظام الغذائي المستخدم لخفض الدهون.
• تحديد الحاجة لتعديل نمط الحياة.

رابعًا: عوامل تؤثر على نتائج تحليل الدهون

هناك عدة عوامل تؤثر على نتائج التحليل، ويجب أخذها بعين الاعتبار:

1. النظام الغذائي

تناول الأطعمة الغنية بالدهون المشبعة والمتحولة يؤدي إلى ارتفاع الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية.

2. النشاط البدني

التمارين الرياضية ترفع الكوليسترول الجيد وتخفض الضار والدهون الثلاثية.

3. الوزن

زيادة الوزن ترتبط بارتفاع الدهون الثلاثية وانخفاض HDL.

4. التدخين

يقلل من مستويات الكوليسترول الجيد، ويزيد من تراكم الدهون في الشرايين.

5. الأمراض المزمنة

أمراض مثل السكري، الكلى، والكبد، تؤثر سلبًا على مستويات الدهون.

6. الأدوية

بعض الأدوية مثل مدرات البول، البيتا بلوكر، وأدوية منع الحمل قد ترفع الدهون.

خامسًا: مؤشرات تستدعي إجراء التحليل

ينصح بإجراء تحليل الدهون والكوليسترول في الحالات التالية:
• بعد سن 20 عامًا، كل 4–6 سنوات للفرد السليم الذي لا يعاني من اي امراض مزمنة.
• عند وجود تاريخ عائلي لأمراض القلب.
• مرضى السكري أو ارتفاع ضغط الدم.
• مرضى السمنة المفرطة  أو الوزن الزائد.
• المدخنين أو متناولي الكحول.
• الأشخاص الذين يعانون من أعراض مرتبطة بارتفاع الكوليسترول مثل ألم الصدر أو ضيق التنفس.

سادسًا: المخاطر الصحية المرتبطة باضطرابات الدهون

1. أمراض القلب التاجية

عند تراكم الكوليسترول الضار في جدران الشرايين، يؤدي ذلك إلى تصلب الشرايين، مما يقلل من تدفق الدم إلى القلب ويسبب الذبحة الصدرية أو النوبة القلبية.

2. السكتة الدماغية

في حال انسداد أحد شرايين الدماغ نتيجة تراكم الدهون، قد تحدث سكتة دماغية، وهي حالة طبية طارئة قد تؤدي إلى شلل أو فقدان الوعي أو الوفاة.

3. التهاب البنكرياس

ارتفاع الدهون الثلاثية إلى مستويات شديدة قد يسبب التهابًا حادًا في البنكرياس.

4. الكبد الدهني

يؤدي تراكم الدهون في الكبد إلى ما يُعرف بالكبد الدهني، وقد يتطور إلى التهاب الكبد أو تليفه.

5. متلازمة الأيض (Metabolic Syndrome)

تتضمن مجموعة من الحالات مثل ارتفاع ضغط الدم، ارتفاع السكر، زيادة الدهون الثلاثية، وانخفاض HDL، وترتبط بزيادة خطر أمراض القلب والسكري.

سابعًا: الوقاية والعلاج

1. الوجبات الغذائية
• تقليل الدهون المشبعة (مثل الزبدة، اللحوم الدهنية).
• تجنب الدهون المتحولة (مثل الزيوت المهدرجة).
• زيادة استهلاك الألياف (الحبوب الكاملة، الخضروات، الفواكه).
• تناول الأطعمة التي ترفع HDL مثل زيت الزيتون والأسماك الدهنية.

2. ممارسة الرياضة

ممارسة 30 دقيقة من النشاط البدني المعتدل يوميًا يُحسن من مستويات الدهون.

3. الإقلاع عن التدخين

يساهم التدخين بشكل كبير في رفع الكوليسترول الجيد وتقليل خطر الاصابة بأمراض القلب.

4. ضبط الوزن

فقدان 5–10% من الوزن يُحدث فرقًا كبيرًا في مستويات الدهون.

5. الأدوية

عندما لا تكون التعديلات الحياتية كافية، قد يصف الطبيب أدوية مثل:
• الستاتين (Statins): تقلل إنتاج الكوليسترول في الكبد.
• أدوية لخفض الدهون الثلاثية مثل الفيبرات (Fibrates).
• نياسين (Niacin): يزيد HDL ويقلل الدهون الثلاثية.
• مثبطات امتصاص الكوليسترول مثل الإيزيتيميب.

ثامنًا: متى تُعاد التحاليل؟

يُنصح بإعادة التحليل من 3–6 أشهر في حال ارتفاع الدهون، لمتابعة مدى تأثير العلاج وتعديل الجرعات. أما في الأشخاص الأصحاء، فإعادة التحليل كل 4–6 سنوات كافية ما لم تظهر أعراض أو عوامل خطر جديدة.

الختام

تحليل الدهون والكوليسترول هي وسيلة شخيصية حيوية لا ينبغي تجاهلها، فاختلال مستويات الدهون قد يكون صامتًا لكنه يمهد طريق لمشاكل صحية خطيرة مثل الجلطات القلبية والدماغية و تصلب الشرايين . من خلال فهم نتائج التحليل واتخاذ الإجراءات المناسبة من حيث التغذية، النشاط البدني، وتناول الأدوية عند الحاجة، يمكن تقليل هذه المخاطر بشكل كبير.
لذلك، لا تنتظر الأعراض، بل بادر بإجراء التحليل خاصة إن كنت من الفئات المعرضة للخطر. فالصحة القلبية تبدأ من فحص بسيط لكن نتائجه قد تنقذ حياة