مقدمة
سرطان العظام هو من أنواع السرطانات النادرة التي تصيب الجهاز الهيكلي لجسم الإنسان. تكمن خطورته في تداخله مع الوظيفة الأساسية للعظام وهي الدعم والحركة وحماية الأعضاء الحيوية. رغم أنه قد يبدأ في العظام نفسها، إلا أن هناك نوعين مختلفين: السرطان الأولي الذي ينشأ في أنسجة العظم، والسرطان الثانوي الذي ينتقل من أعضاء الجسم إلى العظام. في هذا المقال ، سنغوص في أعماق هذا المرض لفهم أسبابه وأعراضه ومضاعفاته، ونكشف الغموض عن الشائعات المحيطة به ونوضح الحقائق العلمية بعيداََ عن المبالغات أو الخوف المبالغ فيه.
ما هو سرطان العظام؟
سرطان العظام هو نمو غير طبيعي وخارج عن السيطرة لخلايا غير طبيعية في أنسجة و خلايا العظام. يمكن أن يكون هذا النمو خبيث فيدمر أنسجة العظام وينتشر إلى أجزاء و أعضاء أخرى من الجسم، أو حميداََ لكنه قد يسبب مشاكل كبيرة نتيجة الضغط على الأنسجة أو الأعضاء المجاورة أو التأثير على النمو الطبيعي للعظم مما يؤثر على شكل و وظيفة العظم.
أنواع سرطان العظام الأولي
يوجد عدة أنواع من السرطان الذي ينشأ في العظام مباشرة، ومن أبرزها:
1.الساركوما العظمية (Osteosarcoma)
يُعد أكثر أنواع سرطان العظام الأولي شيوعاََ ، ويظهر عادةً في الأطفال والمراهقين، خاصة في العظام الطويلة كعظمة الفخذ أو الساق أو الذراع. تنشأ هذه الأورام من الخلايا المنتجة للعظم، وتتميز بسرعة نموها وانتشارها.
2.الساركوما الغضروفية (Chondrosarcoma)
تنشأ من الخلايا المنتجة للغضاريف، وتصيب في الغالب البالغين ما بين 30 و60 عامًا. تظهر في مناطق مثل الحوض أو الكتف أو عظام القفص الصدري، وغالبًا ما تنمو ببطء لكنها قد تكون خبيثة بدرجات متفاوتة.
3.ساركوما إوينغ (Ewing’s Sarcoma)
نوع نادر وخطير من السرطان، يصيب الأطفال والمراهقين غالبًا، ويظهر في العظام أو في الأنسجة الرخوة المحيطة بها. يُعتقد أنه ينشأ من الخلايا العصبية البدائية، ويحتاج إلى علاج مكثف و في اسرع وقت.
4.الورم الأرومي العظمي (Osteoid Osteoma) والورم العظمي الغضروفي (Osteochondroma)
هذه أورام حميدة وليست خبيثة، لكنها قد تُسبب ألم أو تشوه في العظام وتستدعي التدخل الجراحي في بعض الحالات.
الأسباب والعوامل لسرطان العظام
رغم أن الأسباب الدقيقة لسرطان العظام غير معروفة في كثير من الحالات، إلا أن هناك بعض العوامل التي قد تزيد من خطر الإصابة، ومنها:
•الطفرات الوراثية
بعض الأشخاص يولدون بطفرات في الجينات المنظمة لنمو الخلايا، ما يزيد من احتمال تطور الخلايا السرطانية، مثل الطفرة في جين RB المرتبط بسرطان الشبكية، أو الطفرات في جين TP53 المعروف بدوره في قمع الأورام.
•التعرض للإشعاع
تلقي العلاج الإشعاعي في السابق، خصوصًا بجرعات عالية، قد يزيد من خطر الإصابة بسرطان العظام بعد سنوات، خاصة في الأطفال الذين تلقوا علاجًا إشعاعيًا لسرطانات سابقة.
•أمراض عظمية وراثية
مثل مرض باجيت العظمي (Paget’s disease of bone) الذي يصيب كبار السن ويزيد من احتمالية حدوث تحول سرطاني في العظم المصاب.
•التاريخ العائلي
رغم أن معظم حالات سرطان العظام ليست وراثية، إلا أن وجود تاريخ عائلي لبعض المتلازمات الوراثية المرتبطة بالسرطان قد يكون عامل يزيد من خطر الإصابة.
ماهي أعراض سرطان العظام؟
تختلف الأعراض حسب نوع الورم وموقعه، لكنها في الغالب تبدأ بشكل تدريجي وتزداد مع الوقت، ومن أبرزها:
•ألم العظام
هو العرض الأكثر شيوعًا، ويبدأ خفيفًا ويزداد تدريجيًا، وقد يكون أشد ليلًا أو عند بذل مجهود.
•تورم أو كتلة محسوسة
خاصة في حالة الأورام السطحية أو التي تقع بالقرب من المفاصل.
•ضعف في العظم المصاب
يؤدي إلى زيادة احتمالية حدوث الكسور حتى مع الإصابات البسيطة.
•انخفاض مدى الحركة
خصوصًا إذا كان الورم قريبًا من المفاصل، ما يسبب صعوبة في الحركة وتيبس المفصل.
•فقدان الوزن والتعب العام
خاصة في المراحل المتقدمة أو إذا انتشر المرض إلى أجزاء أخرى من الجسم.
•ارتفاع درجة الحرارة أحيانًا
بسبب الالتهاب أو الاستجابة المناعية للجسم تجاه الورم.
التشخيص
تشخيص سرطان العظام يتطلب مجموعة من الخطوات المتتابعة:
•الفحص السريري
لمعرفة موقع الألم أو التورم، وتقييم مدى تأثر الحركة.
•الأشعة السينية
تُظهر تغييرات في شكل العظام وتكوينها، ويمكن أن تكشف عن وجود ورم أو تلف عظمي.
•التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)
لتحديد حجم الورم وانتشاره داخل العظم والأنسجة المحيطة.
•التصوير المقطعي المحوسب (CT) أو التصوير النووي (PET Scan)
لتحديد وجود انتشار للورم في الرئتين أو الأعضاء الأخرى.
•الخزعة (Biopsy)
وهي الفحص الحاسم لتحديد نوع الخلايا السرطانية، وتُجرى غالبًا بإبرة أو بعملية جراحية.
المضاعفات المحتملة
سرطان العظام قد يؤدي إلى عدة مضاعفات، خاصة إذا لم يُشخص ويُعالج مبكرًا:
•الانتشار إلى الرئتين أو الأعضاء الأخرى
وهو ما يُعرف بالمرحلة المنتشرة أو النقيلية، وغالبًا ما يكون من أهم أسباب الوفاة.
•فقدان القدرة على الحركة أو الإعاقة
خصوصًا إذا أصاب العظام الداعمة للجسم مثل العمود الفقري أو الحوض أو الأطراف السفلية.
•الكسور المرضية
نتيجة ضعف العظام المصابة بالورم.
•الحاجة إلى بتر الأطراف
في بعض الحالات المتقدمة أو عندما لا يمكن إزالة الورم جراحيًا دون التأثير على الوظيفة الحيوية للطرف.
•الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي أو الإشعاعي
مثل الغثيان، تساقط الشعر، اضطرابات في الدم، وتأثيرات طويلة المدى على الخصوبة أو وظائف القلب.
العلاج
يعتمد علاج سرطان العظام على نوع الورم، موقعه، مدى انتشاره، والحالة الصحية العامة للمريض. الخيارات تشمل:
•الجراحة
وهي الخط الرئيسي لعلاج معظم حالات السرطان العظمي الأولي، وتُستخدم لإزالة الورم بالكامل مع الحفاظ على أكبر قدر ممكن من وظيفة الطرف المصاب.
•العلاج الكيميائي
يُستخدم غالبًا في حالات الساركوما العظمية وساركوما إوينغ، قبل وبعد الجراحة للسيطرة على الورم ومنع عودته.
•العلاج الإشعاعي
يُستخدم في بعض الأنواع مثل ساركوما إوينغ أو في الحالات التي يصعب فيها استئصال الورم جراحيًا.
•العلاج الداعم
ويشمل أدوية لتقوية العظام، علاج الألم، دعم نفسي واجتماعي للمريض.
شائعات شائعة حول سرطان العظام
•الشائعة: سرطان العظام يصيب فقط كبار السن
الحقيقة: بعض الأنواع تصيب الأطفال والمراهقين مثل الساركوما العظمية وساركوما إوينغ.
•الشائعة: أي ألم في العظام يعني سرطانًا
الحقيقة: معظم آلام العظام تكون ناتجة عن أسباب حميدة مثل التهابات المفاصل أو الإصابات البسيطة، لكن الاستمرار أو التفاقم يستدعي الفحص.
•الشائعة: البتر هو الحل الوحيد
الحقيقة: التقدم في الجراحة والعلاج ساعد في إنقاذ الأطراف في أغلب الحالات دون الحاجة للبتر.
•الشائعة: سرطان العظام لا يمكن علاجه
الحقيقة: العديد من الحالات يمكن علاجها والشفاء منها، خاصة عند الاكتشاف المبكر.
•الشائعة: العلاج الكيميائي يدمر الجسم بالكامل
الحقيقة: رغم آثاره الجانبية، إلا أنه يساهم بشكل فعّال في السيطرة على الورم ومنع انتشاره، ويتم مراقبة تأثيراته بدقة.
هل يمكن الشفاء من سرطان العظام؟
نعم، يمكن الشفاء من سرطان العظام في كثير من الحالات، لكن ذلك يعتمد على عدة عوامل مهمة:
1. نوع سرطان العظام
•الساركوما العظمية (Osteosarcoma) وساركوما إيوينغ (Ewing’s Sarcoma): يُمكن الشفاء منهما بنسبة جيدة إذا تم اكتشافهما مبكراََ وخضع المريض لعلاج شامل (جراحة + علاج كيميائي ± إشعاعي).
•الساركوما الغضروفية (Chondrosarcoma): تكون الاستجابة للعلاج أبطأ، لكن الشفاء ممكن في الأنواع منخفضة الدرجة.
•الأورام الحميدة: لا تُعتبر سرطانات خبيثة ويمكن استئصالها نهائيًا دون عودة.
2. مرحلة المرض عند التشخيص
•إذا تم تشخيص الورم قبل أن ينتشر (مرحلة مبكرة)، فإن احتمالات الشفاء تكون مرتفعة.
•في الحالات التي يكون فيها السرطان قد انتقل إلى الرئتين أو أجزاء أخرى من الجسم (مرحلة منتشرة)، تصبح فرص الشفاء أقل، لكن العلاج يمكن أن يُطيل العمر ويحسن الجودة.
3. الاستجابة للعلاج
•بعض المرضى يستجيبون جيدًا للعلاج الكيميائي والجراحة، مما يؤدي إلى شفاء كامل.
•آخرون قد يحتاجون إلى علاج طويل الأمد أو تأهيلي للسيطرة على المرض دون شفاء تام.
4. العمر والحالة العامة للمريض
•الأطفال والشباب غالبًا ما تكون لديهم استجابة أفضل للعلاج.
•الأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيدة يستطيعون تحمل العلاجات المكثفة بشكل أفضل.
5. الخبرة الطبية المتوفرة
•العلاج في مراكز متخصصة بأورام العظام يزيد من فرص التشخيص الدقيق والعلاج الناجح.
الشفاء من سرطان العظام ممكن، خاصة إذا تم اكتشافه في وقت مبكر وتلقى المريض العلاج المناسب. لذلك فإن التشخيص المبكر والالتزام بالعلاج هما المفتاحان الأساسيان للأمل والنجاة.
حقائق طبية مهمة
•نسبة الشفاء من بعض أنواع سرطان العظام مثل الساركوما العظمية في المراحل المبكرة تصل إلى أكثر من 70% عند العلاج المناسب.
•الورم العظمي الحميد أكثر شيوعًا من الورم الخبيث.
•الساركوما الغضروفية تنمو ببطء وقد لا تظهر أعراضها لسنوات.
•الأطفال المصابون بسرطان العظام يمكن أن يعيشوا حياة طبيعية بعد العلاج والشفاء، مع دعم التأهيل المناسب.
•لا توجد فحوصات دورية للكشف المبكر عن سرطان العظام، لذا يعتبر التشخيص المبكر عند ظهور الأعراض أمرًا بالغ الأهمية.
الختام
سرطان العظام ليس مرضاََ واحداََ بل مجموعة من الأورام التي تتفاوت في خطورتها واستجابتها للعلاج. وعي الشخص بأعراض المرض والتوجه المبكر للفحص قد يصنع الفارق بين الشفاء والمعاناة الطويلة. بين الشائعات والحقائق، يظل العلم هو الدليل الوحيد الذي يجب أن يُتبع. إن تقدم الطب الحديث أتاح فرصًا حقيقية للشفاء وتحسين نوعية الحياة للمرضى، ويبقى الأمل ممكناََ في كل مرحلة من مراحل هذا المرض.