كيف تحمي نفسك من السرطان؟

المقدمة

السرطان ليس مجرد مرض، بل هو حالة صحية معقدة تتكون من مجموعة من الاضطرابات التي تصيب عدد أو شكل  خلايا الجسم، وتجعلها تنمو وتنقسم بشكل غير طبيعي وخارج عن السيطرة يصعب التحكم بها. هذا النمو غير الطبيعي قد يؤدي إلى تكوين أورام، بعضها يكون خبيثاََ ويغزو الأنسجة المحيطة وينتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم. ومع أنه لا يمكن الوقاية من جميع أنواع السرطان، إلا أن فهم أسبابه، والانتباه لأعراضه، والقيام بالتحاليل الدورية، واتباع أساليب وقائية فعالة يمكن أن يقلل من خطر الإصابة به بنسبة كبيرة.

الأسباب المؤدية للإصابة بالسرطان

الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالسرطان كثيرة ومتداخلة، منها ما يرتبط بنمط الحياة، ومنها ما هو خارج عن إرادة الإنسان كالعوامل الوراثية. تبدأ بعض السرطانات نتيجة لتلف في الحمض النووي (DNA) للخلية، ما يؤدي إلى نمو غير طبيعي وتحول الخلية السليمة إلى خلية سرطانية.

من بين العوامل الشائعة المسببة للسرطان التدخين، والذي يرتبط بسرطان الرئة والحنجرة والمثانة وغيرها. كما أن التعرض الطويل والمفرط لأشعة الشمس يزيد من خطر الإصابة بسرطان الجلد، وخاصة الميلانوما. كذلك، فإن التعرض للمواد الكيميائية المسرطنة في بيئة العمل أو المنزل يلعب دوراََ في تحفيز الطفرات الجينية.

السمنة ونمط الحياة غير الصحي من الأسباب الرئيسية، حيث ثبت علمياََ أن النظام الغذائي الغني بالدهون المشبعة واللحوم المصنعة والفقر بالخضراوات والفواكه يساهم في زيادة خطر الإصابة بالعديد من أنواع السرطان مثل القولون والثدي والبروستاتا و غيرها.

كما أن بعض الفيروسات تلعب دوراََ في تطور أنواع معينة من السرطان، مثل فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) المسبب لسرطان عنق الرحم، وفيروس التهاب الكبد B وC المرتبطين بسرطان الكبد الخطير.

العوامل الوراثية أيضاََ تساهم في احتمالية الإصابة، فبعض الأشخاص يحملون طفرات جينية موروثة تزيد من خطر الإصابة بسرطانات معينة، مثل الطفرات في جينات BRCA1 وBRCA2 التي ترتبط بسرطان الثدي والمبيض.

الأعراض التي لا يجب تجاهلها

السرطان غالبًا لا يعطي إشارات مبكرة واضحة، لكن هناك بعض العلامات التي إذا استمرت لفترة طويلة، يجب عدم إهمالها، والتوجه للفحص الطبي الفوري.

من بين الأعراض العامة التي قد تشير إلى وجود سرطان: فقدان الوزن غير المبرر، التعب المستمر، الحمى المتكررة، التعرق ليلاََ، وفقدان الشهية. كذلك يجب الانتباه لظهور كتل أو أورام غير مؤلمة تحت الجلد، خصوصاََ في الرقبة أو الإبط أو الثدي.

النزيف غير الطبيعي من الفتحات الطبيعية للجسم من الأعراض التحذيرية المهمة، كالنزيف المهبلي بعد انقطاع الدورة، أو وجود دم في البول أو البراز. كما أن السعال المزمن المصحوب بالدم، أو تغير في نبرة الصوت، من الأعراض التي يجب عدم إهمالها.

تغير شكل الشامات أو بقع الجلد، خصوصاََ إذا زاد حجمها أو تغير لونها أو نزفت، قد يدل على سرطان الجلد. أيضاََ، الصعوبة المستمرة في البلع، أو تغير في عادات الإخراج أو وجود نزيف مع البراز، أو وجود ألم غير مبرر، تعتبر من العلامات التي تستوجب الفحص.

التحاليل والفحوصات الدورية للكشف المبكر

الكشف المبكر عن السرطان يلعب دوراََ حاسماََ في زيادة فرص الشفاء وتقليل المضاعفات. هناك مجموعة من التحاليل والفحوصات التي يُوصى بها بشكل دوري، تختلف حسب الجنس والعمر والتاريخ العائلي.

تحليل الدم الكامل (CBC) يمكن أن يكشف عن سرطانات الدم مثل اللوكيميا.
 كما أن قياس مؤشرات الأورام (Tumor Markers) مثل PSA (للبروستاتا)
 وCA-125 (للمبيض)
وCEA (للقولون) قد يساعد في تتبع بعض الأنواع، رغم أنه لا يُعتمد عليه وحده للتشخيص الدقيق.

فحص الثدي الإشعاعي (الماموجرام) للنساء فوق سن الأربعين يعد من أهم الفحوصات للكشف المبكر عن سرطان الثدي. أما فحص عنق الرحم باستخدام مسحة عنق الرحم (Pap smear) فهو ضروري كل ثلاث سنوات تقريباََ للنساء المتزوجات.

تنظير القولون يُوصى به للأشخاص بعد سن الخمسين، أو قبل ذلك إذا وُجد تاريخ عائلي لسرطان القولون. أما الرجال، فيُنصح بإجراء فحص البروستاتا بشكل دوري، خصوصاََ بعد سن الخمسين.

فحص الجلد السنوي من قِبل طبيب الجلدية، خاصة لمن لديهم تاريخ في التعرض للشمس أو وجود شامات كثيرة، يمكن أن ينقذ الحياة.

طرق الوقاية من السرطان 

الوقاية من السرطان تبدأ من تغيير نمط الحياة واعتماد عادات صحية تعزز المناعة وتقلل من العوامل المسببة للمرض. الإقلاع عن التدخين هو أول خطوة نحو الحماية من عدد كبير من أنواع السرطان التي قد تصيب الإنسان، ويقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بسرطان الرئة ،الحنجرة ، الفم، المثانة، وغيرها.

النظام الغذائي الصحي أحد الأسلحة الوقائية المهمة، ويشمل تناول الخضروات الورقية، والفواكه الطازجة، والحبوب الكاملة، وتجنب الأطعمة المصنعة، والمقليات، و الدهون المشبعة، و الأطعمة المعلبة ، والمشروبات الغازية.

ممارسة الرياضة بانتظام لا تقل أهمية، فالنشاط البدني يقلل من السمنة، ويحسن الدورة الدموية، ويقوي جهاز المناعة، مما يقلل من خطر الإصابة بسرطانات القولون والثدي والرحم.

الوقاية من العدوى تلعب دوراََ محورياََ، ويمكن تحقيقها من خلال أخذ اللقاحات مثل لقاح HPV لحماية السيدات من سرطان عنق الرحم، ولقاح التهاب الكبد B للوقاية من سرطان الكبد.

التقليل من التعرض لأشعة الشمس، خاصة في ساعات الذروة، مع استخدام واقي الشمس وارتداء الملابس الواقية، يحمي من سرطان الجلد. كما يجب تجنب استخدام أجهزة التسمير الصناعية التي تزيد من خطر الأصابة بسرطان الجلد.

الحفاظ على وزن صحي، ومراقبة مؤشرات الجسم بانتظام، وطلب الاستشارة الطبية عند وجود أي عرض غير طبيعي، كلها إجراءات تحصن الجسم ضد تطور الأورام.

حقائق علمية عن السرطان يجب معرفتها

السرطان ليس دائماََ مرضاََ قاتلاََ، فهناك أنواع يمكن الشفاء منها تماماََ إذا كُشفت مبكراََ وتم علاجها بالشكل المناسب. كما أن بعض أنواع السرطان بطيئة النمو ولا تهدد الحياة بشكل مباشر.

ليس كل ورم أو كتلة هي سرطان، فهناك أورام حميدة لا تنتشر ولا تتحول إلى أورام خبيثة. أيضاََ، الوراثة ليست العامل الوحيد الذي يسبب السرطان، بل معظم الحالات تعود لنمط حياة غير صحي و عوامل بيئية وسلوكية يمكن التحكم فيها.

العلاجات الحديثة للسرطان تطورت بشكل كبير، مثل العلاجات المناعية والموجهة، وأصبحت فعالة في السيطرة على المرض وتحسين جودة حياة المريض. كما أن بعض أنواع السرطان يمكن منعها من خلال الفحص الدوري وتغيير نمط الحياة.

الشائعات المنتشرة حول السرطان

هناك العديد من الشائعات والمفاهيم الخاطئة المرتبطة بالسرطان والتي تثير الخوف دون مبرر، وقد تؤدي إلى قرارات خاطئة أو تأخير في الفحص والعلاج.

من أبرز هذه الشائعات أن السرطان مرض معدٍ، وهذا غير صحيح، إذ لا يمكن أن يُنقل السرطان من شخص لآخر، ما عدا بعض أنواع الفيروسات المسببة له مثل HPV والتهاب الكبد B وC.

شائعة أخرى تقول إن اكتشاف السرطان يعني النهاية المحتومة، وهذا غير دقيق. اليوم، تعالج العديد من حالات السرطان بفعالية، وبعضها يُشفى تماماََ خاصة إذا تم اكتشافه في المراحل المبكرة مما يجعل العلاج أكثر فعالية.

كما يعتقد البعض أن كل أنواع العلاج الكيميائي تؤدي إلى تساقط الشعر أو آلام شديدة، بينما تختلف التأثيرات الجانبية باختلاف نوع العلاج وطبيعة السرطان.

أيضاََ، ليس صحيحاََ أن تناول الأطعمة العضوية وحدها يمكن أن يقي تماماََ من السرطان، فالغذاء الصحي عنصر وقائي مهم، لكنه لا يغني عن الفحص والكشف المبكر.

الختام

السرطان ليس حكماََ بالموت، بل هو نداء لاتخاذ موقف دفاعي قوي ضد عوامل الخطر. حماية نفسك تبدأ من وعيك، وفهمك لما يجب مراقبته من أعراض، وما يجب تجنبه من سلوكيات. الفحص المبكر وتحاليل المتابعة لا تقل أهمية عن العلاج، لأنها تصنع الفارق بين الشفاء وتطور المرض. السرطان يمكن أن يُهزم، لكن فقط إذا تحركت قبل أن يتحرك السرطان و ينتشر بجسمك. كن أنت المبادر، لا تنتظر الأعراض لتظهر، فالصحة أغلى ما تملك.
إذا كانت الوقاية خير من العلاج، فالكشف المبكر أفضل من التوقع، والمعرفة أقوى من الخوف.