المقدمة
يُعتبر الحديد أحد المعادن الأساسية و المهمة في الجسم، حيث يلعب دورًا حيويًا في العديد من العمليات الحيوية، وعلى رأسها تكوين الهيموغلوبين، وهو البروتين الموجود في خلايا الدم الحمراء والمسؤول عن نقل الأكسجين إلى جميع خلايا الجسم. ورغم أن الحديد يُخزن بكميات صغيرة نسبيًا، فإن أي نقص فيه قد يؤدي إلى سلسلة من التغيرات الفسيولوجية والمضاعفات التي قد تكون شديدة إذا لم تُعالج في الوقت المناسب.
في هذا المقال، نستعرض بالتفصيل ماذا يحدث لجسم الإنسان عندما ينخفض مستوى الحديد، وما هي العلامات التي قد تشير إلى ذلك، وأهم الفحوصات المطلوبة للتشخيص، بالإضافة إلى المضاعفات المحتملة في حال استمرار النقص دون علاج.
أهمية الحديد في جسم الإنسان
الحديد معدن حيوي يدخل في تكوين عدد كبير من البروتينات والإنزيمات، ويلعب دورًا محوريًا في وظائف الجسم الأساسية، مثل:
•تكوين الهيموغلوبين: حيث يحمل الأكسجين من الرئتين إلى أنسجة الجسم، وثاني أكسيد الكربون من الأنسجة إلى الرئتين للتخلص منه.
•المساعدة في إنتاج الطاقة: من خلال مشاركته في سلسلة نقل الإلكترونات في الميتوكوندريا.
•دعم الجهاز المناعي: حيث يؤثر على نمو وتكاثر الخلايا المناعية.
•تكوين الميوغلوبين: وهو بروتين في العضلات يخزن الأكسجين لاستخدامه أثناء النشاط العضلي.
•دور في وظائف الدماغ: إذ يسهم في تكوين الناقلات العصبية التي تنقل الإشارات بين الخلايا العصبية.
نقص الحديد يؤدي إلى خلل في كل هذه الوظائف، وقد يظهر في صورة أعراض خفيفة في البداية، لكنه سرعان ما يتطور إلى مشكلات صحية معقدة إذا استمر لفترة طويلة.
أسباب نقص الحديد في الجسم
يمكن أن ينقص الحديد لأسباب متعددة تتعلق إما بنقص تناوله، أو سوء امتصاصه، أو زيادة فقدانه من الجسم، ومن أهم هذه الأسباب:
1.نقص الوارد الغذائي: خصوصًا لدى الأشخاص الذين يتبعون حمية نباتية صارمة أو لا يتناولون اللحوم، وهي المصدر الأساسي للحديد الهيمي (الذي يُمتص بسهولة).
2.فقدان الدم المزمن: مثل حالات غزارة الطمث عند النساء، أو النزيف المعدي المعوي المزمن الناتج عن قرحة، أو التهابات، أو أورام، أو استخدام مفرط لمضادات الالتهاب غير الستيرويدية.
3.سوء الامتصاص: مثل حالات الداء الزلاقي (السيلياك)، أو بعد جراحة المجازة المعدية، أو أمراض الأمعاء الالتهابية.
4.الحمل والرضاعة: حيث تزداد الحاجة للحديد بشكل كبير لنمو الجنين وإنتاج الحليب.
5.النمو السريع في الطفولة والمراهقة: إذ يتطلب الأمر كميات إضافية من الحديد لتلبية احتياجات الجسم المتزايدة.
6.التبرع المتكرر بالدم: يمكن أن يؤدي إلى استنفاد مخزون الحديد، خاصة إذا لم يتم التعويض بالتغذية المناسبة.
ماذا يحدث لجسمك عند نقص الحديد؟
1. انخفاض إنتاج الهيموغلوبين
عندما يقل الحديد في الجسم، لا يستطيع نخاع العظم إنتاج ما يكفي من الهيموغلوبين، مما يؤدي إلى ما يُعرف بـ”فقر الدم الناجم عن نقص الحديد”. نتيجة لهذا النقص، تقل كمية الأكسجين التي تصل إلى خلايا الجسم، مما يؤثر سلبًا على وظائف الأعضاء كافة.
2. شعور دائم بالتعب والإرهاق
لأن خلايا الجسم لا تحصل على كمية كافية من الأكسجين، فإن الفرد يعاني من شعور عام بالوهن والضعف، حتى عند بذل مجهود بسيط. هذا التعب لا يزول بالنوم أو الراحة، ويُعد من أوائل علامات نقص الحديد.
3. شحوب البشرة
الهيموغلوبين هو المسؤول عن إعطاء الدم لونه الأحمر، وعند نقصه، تقل كمية الدم المؤكسج التي تصل إلى الجلد، مما يجعله يبدو شاحبًا، خاصة في الوجه، واللثة، وداخل الجفون.
4. ضيق في التنفس
حتى مع مجهود خفيف، قد يشعر الشخص بصعوبة في التنفس، نتيجة قلة الأكسجين المحمول إلى العضلات.
5. خفقان القلب
يحاول القلب تعويض نقص الأكسجين عن طريق ضخ الدم بسرعة أكبر، مما يؤدي إلى الشعور بتسارع ضربات القلب أو خفقان غير طبيعي، وقد يؤدي إلى تضخم القلب على المدى الطويل إذا استمر النقص دون علاج.
6. الدوخة والصداع
نقص الأكسجين الواصل إلى الدماغ يؤدي إلى الشعور بالدوار، وعدم الاتزان، وأحيانًا الصداع المتكرر.
7. ضعف التركيز والذاكرة
الدماغ يحتاج إلى كميات منتظمة من الحديد للعمل بكفاءة، ونقصه قد يؤثر سلبًا على الأداء الذهني، مما يؤدي إلى ضعف التركيز، بطء التفكير، والنسيان.
8. تساقط الشعر وهشاشة الأظافر
الحديد مهم لنمو الخلايا، بما في ذلك خلايا بصيلات الشعر والأظافر. وعندما تقل كميته، يبدأ الشعر في التساقط وتصبح الأظافر هشة وسهلة التكسر، وقد تظهر بها تشققات طولية.
9. متلازمة تململ الساقين
من الأعراض العصبية المعروفة عند المصابين بنقص الحديد، وتتميز برغبة ملحة في تحريك الساقين خاصة أثناء الراحة أو الليل، مما يؤثر على جودة النوم.
10. الرغبة في تناول أشياء غير غذائية (Pica)
بعض المصابين بنقص الحديد يطورون رغبة غريبة في تناول أشياء غير غذائية مثل الطين أو الثلج أو الورق، وهو عرض يُعرف باسم “البيكا”، ويُعتقد أنه مرتبط بمحاولة الجسم لتعويض نقص المعادن.
التحاليل المطلوبة لتشخيص نقص الحديد
عند الاشتباه في نقص الحديد، يطلب الطبيب مجموعة من التحاليل لتقييم الحالة بدقة، ومنها:
•الهيموغلوبين (Hemoglobin): لقياس كمية البروتين الحامل للأكسجين في الدم.
•الهيماتوكريت (Hematocrit): لقياس نسبة خلايا الدم الحمراء في حجم الدم الكلي.
•عدد خلايا الدم الحمراء (RBC count): لتحديد مدى إنتاج الجسم لهذه الخلايا.
•مستوى الفيريتين (Ferritin): وهو البروتين المسؤول عن تخزين الحديد في الجسم، ويُعد أدق مؤشر لمخزون الحديد.
•مستوى الحديد في الدم (Serum Iron): لقياس كمية الحديد الحرة في الدم.
•السعة الكلية لارتباط الحديد (TIBC): تقيس قدرة الدم على حمل الحديد.
•نسبة تشبع الترانسفرين (Transferrin saturation): تعبر عن كمية الحديد المرتبطة بالبروتين الناقل له في الدم.
•فحص الدم الكامل (CBC): يكشف عن وجود فقر الدم ومدى شدته.
المضاعفات المحتملة لنقص الحديد
إذا لم يُعالج نقص الحديد، فقد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة، منها:
1.فقر الدم الحاد: يضعف الجسم بشدة ويؤثر على القدرة على أداء المهام اليومية، وقد يؤدي في الحالات الشديدة إلى نقل الدم.
2.الضعف البدني العام: الذي قد يؤثر على جودة الحياة، خاصة لدى النساء في سن الإنجاب، والأطفال في سن النمو، وكبار السن.
3.مشكلات في الحمل: مثل الولادة المبكرة، انخفاض وزن الطفل عند الولادة، وزيادة خطر الوفاة أثناء الولادة.
4.اضطرابات قلبية: مثل تضخم القلب أو فشل القلب نتيجة العمل المفرط لتعويض نقص الأكسجين.
5.الخلل المعرفي عند الأطفال: الأطفال الذين يعانون من نقص الحديد قد يواجهون تأخرًا في النمو العقلي والبدني، وضعفًا في التحصيل الدراسي.
6.انخفاض المناعة: مما يزيد من خطر الإصابة بالعدوى المتكررة مثل التهابات الجهاز التنفسي أو البولي.
7.تأثر الأداء الرياضي: لأن الحديد مهم في إنتاج الطاقة ونقل الأكسجين للعضلات.
الختام
نقص الحديد ليس مجرد حالة طبية بسيطة، بل هو مؤشر على خلل أساسي في الجسم، سواء في النظام الغذائي أو في أحد الأعضاء المسؤولة عن امتصاص أو إنتاج الدم. الأعراض قد تكون صامتة في البداية، لكنها مع الوقت تؤثر على كل نظام حيوي في الجسم.
لذلك، من الضروري الانتباه للعلامات المبكرة، وإجراء الفحوصات الدورية خاصة لدى الفئات المعرضة للنقص، مثل النساء، الحوامل، المراهقين، وكبار السن. إن التشخيص المبكر والتدخل المناسب سواء عبر تعديل النظام الغذائي أو تناول المكملات، يمكن أن يغير مجرى الحالة تمامًا ويمنع تطور المضاعفات.
الوقاية تبدأ بالوعي، والاهتمام بنوعية الغذاء، ومراقبة الصحة العامة، فالجسم يعبر عن احتياجاته بطرق دقيقة، علينا فقط أن نحسن الإصغاء لها