مقدمة
يُعد التهاب اللوزتين من أكثر الأمراض شيوعًا بين الأطفال والبالغين على حد سواء، وهو من الحالات التي قد تبدأ بألم بسيط في الحلق، لكنها في بعض الأحيان قد تتطور إلى مضاعفات خطيرة إذا لم تُشخّص وتُعالج بالشكل الصحيح.
اللوزتان هما غدّتان لمفاويتان تقعان في مؤخرة الحلق، وتعملان كحاجز دفاعي أول ضد الميكروبات الداخلة عبر الفم والأنف.
ولكن حين تتعرضان لغزو متكرر من الفيروسات أو البكتيريا، تحدث استجابة مناعية قوية تؤدي إلى التهاب اللوزتين (Tonsillitis)، وهو ما يسبب الألم، التورم، وصعوبة البلع.
في هذا المقال، سنأخذك في رحلة علمية شاملة لفهم كل ما تحتاج معرفته عن التهاب اللوزتين: من التعريف والأسباب، إلى الأعراض والتحاليل الدقيقة، وصولًا إلى المضاعفات والعلاج الأمثل.
ما هو التهاب اللوزتين؟
التهاب اللوزتين هو التهاب يصيب النسيج اللمفاوي في جانبي الحلق نتيجة عدوى فيروسية أو بكتيرية.
تحدث هذه الحالة عندما تحاول اللوزتان مقاومة الجراثيم الداخلة إلى الجسم، فيحدث تضخم واحمرار وألم أثناء البلع، وقد يصاحبه ارتفاع في الحرارة وتضخم في الغدد اللمفاوية القريبة.
اللوزتان تلعبان دورًا مهمًا في إنتاج الأجسام المضادة وخلايا الدم البيضاء التي تحمي الجسم من العدوى، ولكن التهابهما المتكرر قد يجعل وظيفتهما الدفاعية أقل فاعلية بمرور الوقت.
أنواع التهاب اللوزتين
يمكن تصنيف التهاب اللوزتين إلى ثلاثة أنواع رئيسية، وفقًا لمدة الأعراض وتكرارها:
1. التهاب اللوزتين الحاد
• أكثر الأنواع شيوعًا.
• يستمر عادة من 3 إلى 10 أيام.
• غالبًا ما يكون سببه فيروسًا، وأحيانًا بكتيريا مثل العقدية المقيحة.
• الأعراض تشمل ألم الحلق الشديد، ارتفاع الحرارة، وصعوبة البلع.
2. التهاب اللوزتين المتكرر
• يُشخّص عندما يتكرر الالتهاب أكثر من ثلاث مرات خلال عام واحد.
• سببه ضعف مناعة الجسم أو التعرض المستمر للعدوى.
• يحتاج إلى تقييم طبي دقيق لمعرفة سبب التكرار.
3. التهاب اللوزتين المزمن
• التهاب مستمر أو متكرر لفترات طويلة.
• يسبب تضخمًا دائمًا في اللوزتين، وشخيرًا أثناء النوم، وصعوبة في البلع والتنفس.
• في بعض الحالات، يكون الحل الأمثل هو استئصال اللوزتين جراحيًا.
أسباب التهاب اللوزتين
تتعدد أسباب التهاب اللوزتين، ولكن يمكن تقسيمها إلى مجموعتين أساسيتين: عدوى فيروسية وعدوى بكتيرية، بالإضافة إلى عوامل مهيئة تضعف المناعة.
1. العدوى الفيروسية
تشكل نحو 70٪ من الحالات، وتشمل:
• فيروس الإنفلونزا
• الفيروس الغدي (Adenovirus)
• فيروس إبشتاين-بار (المسبب لداء كثرة الوحيدات)
• الفيروس التاجي (بعض أنواع كورونا)
• فيروس البرد الشائع (Rhinovirus)
هذه العدوى تكون غالبًا خفيفة وتزول خلال أيام دون مضادات حيوية.
2. العدوى البكتيرية
السبب الأبرز هو البكتيريا العقدية المقيحة (Group A Streptococcus)، وهي المسؤولة عن التهاب الحلق العقدي الذي يحتاج إلى علاج بالمضادات الحيوية لتجنب مضاعفاته الخطيرة.
تشمل أسبابًا أخرى:
• المكورات العنقودية الذهبية
• الهيموفيلوس إنفلونزا
• النيسرية البنية (في حالات العدوى المنقولة جنسيًا)
3. عوامل الخطر والمهيئات
• ضعف الجهاز المناعي
• التدخين أو التعرض لدخان السجائر
• سوء التغذية
• قلة النوم أو الإرهاق المستمر
• التواجد في أماكن مغلقة مزدحمة مثل المدارس
• الالتهابات المزمنة في الأنف أو الجيوب الأنفية
أعراض التهاب اللوزتين
تختلف أعراض التهاب اللوزتين من شخص إلى آخر حسب نوع العدوى وشدتها، لكنها غالبًا تشمل:
الأعراض العامة
• ألم حاد في الحلق
• صعوبة وألم أثناء البلع
• احمرار وتضخم واضح في اللوزتين
• بقع بيضاء أو صفراء على سطحهما
• ارتفاع درجة الحرارة
• تضخم العقد اللمفاوية في الرقبة
• رائحة فم كريهة
• صداع وضعف عام في الجسم
• تغيّر الصوت أو بحة في الكلام
أعراض التهاب اللوزتين عند الأطفال
• فقدان الشهية للطعام
• صعوبة في النوم أو الشخير الليلي
• تهيج وبكاء مستمر
• ألم في البطن أو قيء
• ارتفاع مفاجئ في الحرارة
الفرق بين العدوى الفيروسية والبكتيرية
• العدوى الفيروسية: عادةً مصحوبة بالزكام أو السعال أو انسداد الأنف.
• العدوى البكتيرية: حرارة مرتفعة، صديد على اللوزتين، تضخم في العقد اللمفاوية، دون وجود سعال أو زكام.
التحاليل المطلوبة لتشخيص التهاب اللوزتين
تشخيص التهاب اللوزتين لا يعتمد فقط على الأعراض، بل يحتاج إلى تحاليل دقيقة لتحديد السبب وتجنب العلاج الخاطئ.
1. مسحة الحلق (Throat Swab)
التحليل الأهم لتحديد نوع البكتيريا المسببة.
يُؤخذ مسح من اللوزتين ويُزرع في المختبر لتحديد الميكروب وحساسيته للمضادات الحيوية.
النتيجة الإيجابية للبكتيريا العقدية تُلزم بالعلاج بالمضادات الحيوية.
2. اختبار المستضد السريع (Rapid Antigen Test)
تحليل سريع يعطي نتيجة خلال دقائق، ويكشف وجود البكتيريا العقدية.
يُستخدم بشكل شائع في العيادات لتحديد الحاجة الفورية للمضاد الحيوي.
3. تحليل الدم الكامل (CBC)
يُظهر عدد خلايا الدم البيضاء:
• ارتفاع العدلات → يشير إلى عدوى بكتيرية.
• ارتفاع الخلايا اللمفاوية → يدل على عدوى فيروسية.
4. اختبار الأجسام المضادة للبكتيريا العقدية (ASO Titer)
يُستخدم لتحديد ما إذا كانت العدوى السابقة بالبكتيريا العقدية لا تزال تؤثر على الجسم، خصوصًا عند الاشتباه بالحمى الروماتيزمية.
5. مؤشرات الالتهاب (ESR و CRP)
تساعد على تقييم شدة الالتهاب ومراقبة استجابة الجسم للعلاج.
مضاعفات التهاب اللوزتين
إهمال علاج التهاب اللوزتين أو تكراره المستمر قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، بعضها قد يؤثر على القلب أو الكلى.
1. الخراج حول اللوزة (Peritonsillar Abscess)
تجمع صديدي بجوار اللوزة يسبب ألمًا شديدًا وصعوبة في فتح الفم والبلع.
يحتاج لتدخل جراحي لتصريف القيح فورًا.
2. الحمى الروماتيزمية (Rheumatic Fever)
أخطر مضاعفات العدوى العقدية غير المعالجة.
تؤثر على القلب والمفاصل والجلد، وقد تؤدي إلى تلف دائم في صمامات القلب.
3. التهاب الكلى المناعي (Post-Streptococcal Glomerulonephritis)
يحدث بعد أسابيع من العدوى العقدية، ويسبب تورمًا في الوجه، ارتفاع ضغط الدم، ووجود دم في البول.
4. تضيق مجرى التنفس
نتيجة تضخم اللوزتين المزمن، وقد يسبب انقطاع التنفس أثناء النوم (Sleep Apnea) خصوصًا عند الأطفال.
5. انتشار العدوى
قد تنتقل العدوى إلى الأذن الوسطى أو الجيوب الأنفية أو أنسجة الرقبة، مسببة التهابات متكررة.
علاج التهاب اللوزتين
يعتمد علاج التهاب اللوزتين على السبب (فيروسي أو بكتيري) وشدة الحالة.
1. في الحالات الفيروسية
• الراحة التامة وشرب السوائل الدافئة
• الغرغرة بالماء الدافئ والملح
• تناول مسكنات وخافضات حرارة (مثل الباراسيتامول أو الإيبوبروفين)
• تجنب المضادات الحيوية لأنها غير فعالة ضد الفيروسات
2. في الحالات البكتيرية
• المضاد الحيوي المناسب بعد التأكد من التحليل (غالبًا البنسلين أو الأموكسيسيلين)
• في حالة الحساسية من البنسلين: أزيثروميسين أو كلاريثروميسين
• الالتزام الكامل بفترة العلاج حتى النهاية لتجنب المضاعفات
• الغرغرة اليومية وتناول السوائل بكثرة
3. في الحالات المزمنة أو المتكررة
عند تكرار الالتهاب أكثر من 5 مرات سنويًا أو عند تضخم اللوزتين لدرجة تعيق التنفس أو النوم، قد يوصي الطبيب بـ استئصال اللوزتين جراحياََ
الوقاية من التهاب اللوزتين
يمكن الوقاية من التهاب اللوزتين باتباع خطوات بسيطة:
• غسل اليدين جيداََ بانتظام
• تجنب مشاركة الأطعمة أو الأدوات مع الآخرين
• الحفاظ على نظام غذائي متوازن غني بالفيتامينات
• الابتعاد عن التدخين السلبي
• تجنّب التقبيل أو الاحتكاك المباشر مع المصابين بعدوى الحلق
• الحفاظ على تهوية الغرف وتعقيم الأدوات الشخصية
حقائق وشائعات حول التهاب اللوزتين
الحقائق العلمية
• التهاب اللوزتين لا يعني دائمًا الحاجة للمضاد الحيوي.
• استئصال اللوزتين لا يضعف المناعة بشكل كبير.
• العدوى البكتيرية وحدها يمكن أن تسبب الحمى الروماتيزمية.
• التحاليل المخبرية هي الطريقة الأدق لتحديد السبب الحقيقي.
الشائعات المنتشرة
• “الغرغرة بالماء المالح تشفي الالتهاب تمامًا” → غير صحيح، فهي تخفف الأعراض فقط.
• “استئصال اللوزتين خطر على المناعة” → غير دقيق، فالجسم يمتلك غددًا لمفاوية بديلة.
• “كل ألم حلق يعني التهاب لوزتين” → أحيانًا يكون السبب التهاب البلعوم أو الحساسية.
متى يجب مراجعة الطبيب؟
يُنصح بزيارة الطبيب في الحالات التالية:
• استمرار الأعراض لأكثر من أسبوع
• صعوبة التنفس أو البلع
• ارتفاع الحرارة فوق 39 درجة مئوية
• ظهور صديد أو بقع بيضاء واضحة
• تضخم شديد في الرقبة
• نوبات متكررة من الالتهاب خلال العام
⸻
الختام
إن التهاب اللوزتين أكثر من مجرد ألم في الحلق؛ فهو إنذار مبكر من جهاز المناعة بوجود خطر يحتاج إلى تعامل علمي مدروس.
الفحص الطبي والتحاليل المخبرية هي الطريق الأمثل لتحديد السبب واختيار العلاج الصحيح، بينما الوقاية تبدأ من النظافة والعادات الصحية اليومية.
تذكّر أن تجاهل الأعراض أو الاعتماد على العلاجات المنزلية فقط قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تمس القلب أو الكلى.
احرص دائمًا على استشارة الطبيب، ولا تبدأ المضادات الحيوية من تلقاء نفسك.
اللوزتان هما خط دفاعك الأول، فاعتنِ بهما كما تعتني بصحتك بأكملها.
