مقدمة
يُعتبر هرمون الجلوكاجون من الهرمونات الحيوية التي تلعب دوراً أساسياً في تنظيم مستوى السكر في الدم. وعلى الرغم من قلة الحديث عنه مقارنة بالأنسولين، إلا أن الجلوكاجون يحمل أهمية لا تقل شأناً، إذ يُعد بمثابة “المفتاح العكسي” الذي يعكس مفعول الأنسولين في حال انخفاض سكر الدم. سنتناول في هذا المقال كل ما يتعلق بهذا الهرمون من حيث تعريفه، آلية عمله، دوره الفسيولوجي، تأثيراته، العلاقة بينه وبين الأنسولين، أسباب اضطرابه، الأمراض المرتبطة به، الفحوصات المتعلقة به، إلى جانب أحدث ما توصل إليه العلم في شأنه.
ما هو هرمون الجلوكاجون؟
الجلوكاجون (Glucagon) هو هرمون ببتيدي يُفرز من خلايا ألفا الموجودة في جزر لانغرهانس بالبنكرياس. يعمل هذا الهرمون على رفع مستوى الجلوكوز في الدم من خلال تحفيز الكبد على تحويل الجليكوجين إلى جلوكوز، وهو ما يُعرف بعملية “تحلل الجليكوجين” (Glycogenolysis)، وتحفيز تصنيع الجلوكوز من مركبات غير كربوهيدراتية (Gluconeogenesis).
كيف يعمل الجلوكاجون؟
1. التحكم في إفرازه
يتم إفراز الجلوكاجون استجابة لانخفاض مستويات الجلوكوز في الدم، عادةً عندما تكون أقل من 70 ملغم/ديسيلتر. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساهم عوامل أخرى مثل الصيام، التمارين الرياضية، أو التوتر في تحفيز إفرازه.
2. آلية التأثير
عندما ينخفض سكر الدم، يفرز البنكرياس الجلوكاجون الذي ينتقل عبر الدم إلى الكبد، وهناك يرتبط بمستقبلاته الخاصة على سطح خلايا الكبد. هذا الارتباط يُفعّل سلسلة من التفاعلات الكيميائية تؤدي إلى:
• تحلل الجليكوجين المخزن في الكبد لإطلاق الجلوكوز.
• تحفيز استحداث الجلوكوز من الأحماض الأمينية والدهون.
• تقليل استخدام الجلوكوز في بعض الأنسجة لتوفير الطاقة الحيوية للدماغ.
الجلوكاجون والأنسولين: علاقة تكاملية وتضاد
يشكل الجلوكاجون والأنسولين ثنائياً حيوياً في تنظيم توازن السكر في الجسم. يعمل الأنسولين على خفض مستويات الجلوكوز من خلال تسهيل دخوله إلى الخلايا، بينما يعمل الجلوكاجون على رفعه. هذا التوازن يشبه عمل المكابح والدواسة في السيارة، حيث لا يمكن الاستغناء عن أحدهما.
• عند ارتفاع السكر: يُفرز الأنسولين ويُثبط الجلوكاجون.
• عند انخفاض السكر: يُفرز الجلوكاجون ويُثبط الأنسولين.
العوامل المؤثرة على إفراز الجلوكاجون
1. سكر الدم
انخفاض سكر الدم هو العامل الرئيسي والمباشر لتحفيز إفرازه.
2. الهرمونات الأخرى
مثل الأدرينالين والكورتيزول تؤثر في رفع مستواه أثناء التوتر أو الصيام.
3. النظام الغذائي
تناول البروتينات يرفع إفراز الجلوكاجون، في حين أن الكربوهيدرات تؤدي إلى خفضه.
4. التمارين الرياضية
تؤدي إلى زيادة إفراز الجلوكاجون لتوفير طاقة عضلية كافية.
اضطرابات الجلوكاجون
أولاً: فرط إفراز الجلوكاجون
قد يحدث نتيجة أورام في خلايا ألفا بالبنكرياس تُعرف بـ غلوكاوغونوما (Glucagonoma). هذا النوع النادر من الأورام يؤدي إلى:
• ارتفاع مزمن في سكر الدم.
• فقدان الوزن.
• طفح جلدي مميز يُعرف بـ”الحمامى النيكروتية الهامشية”.
• فقر دم.
• مشاكل في الجهاز الهضمي.
ثانياً: نقص إفراز الجلوكاجون
يُعد أقل شيوعاً، ويحدث غالباً في حالات تدمير خلايا البنكرياس مثل:
• السكري من النوع الأول.
• بعض أمراض المناعة الذاتية.
• التهابات البنكرياس المزمنة.
فحوصات الجلوكاجون
1. اختبار الجلوكاجون في الدم
يُستخدم لقياس مستوى الهرمون لتشخيص فرط أو نقص الإفراز.
2. اختبار تحفيز الجلوكاجون
يُستخدم لتحفيز إفراز هرمونات النمو أو الكورتيزول.
3. اختبارات التصوير
مثل الأشعة المقطعية أو الرنين المغناطيسي للكشف عن الأورام المرتبطة بخلايا ألفا.
استخدامات علاجية لهرمون الجلوكاجون
1. علاج حالات نقص سكر الدم الشديدة
يُستخدم الجلوكاجون كحقنة إسعافية عندما يفقد المريض الوعي بسبب انخفاض السكر، خاصةً عند مرضى السكري.
2. تشخيص بعض الحالات
يُستخدم الجلوكاجون كعامل محفز في اختبارات وظائف الغدة النخامية والكظرية.
3. في مجال الأشعة
يُستخدم في بعض فحوصات الجهاز الهضمي لتقليل حركة الأمعاء وتحسين جودة التصوير.
الجلوكاجون والسمنة
تشير الأبحاث إلى أن الجلوكاجون يلعب دوراً في تعزيز الإحساس بالشبع، وتحفيز تكسير الدهون، وهو ما يُفسر الاهتمام المتزايد به في أبحاث علاج السمنة. بعض الأدوية الحديثة تهدف إلى تحفيز مستقبلات الجلوكاجون مع مستقبلات أخرى مثل GLP-1 للتحكم بالشهية.
الجلوكاجون في مرضى السكري
1. السكري من النوع الأول
غالباً ما يكون إفراز الجلوكاجون مضطرباً، ما يزيد من خطر انخفاض سكر الدم.
2. السكري من النوع الثاني
قد يحدث فرط في إفراز الجلوكاجون بعد تناول الطعام، ما يساهم في تفاقم ارتفاع السكر.
هذا التناقض هو ما دفع العلماء إلى تطوير أدوية تعمل على تثبيط الجلوكاجون في النوع الثاني، مثل مثبطات مستقبلات الجلوكاجون (GRA).
الجلوكاجون الصناعي
يتوفر الجلوكاجون دوائياً بعدة أشكال:
• حقن عضلية أو تحت الجلد: تستخدم في الطوارئ.
• بخاخ أنفي: سهل الاستخدام في حالات فقدان الوعي.
• أدوية تجريبية مزدوجة المفعول: تجمع بين تحفيز مستقبلات الجلوكاجون وGLP-1 لعلاج السمنة والسكري.
المستقبلات الخاصة بالجلوكاجون
يرتبط الجلوكاجون بمستقبل خاص على خلايا الكبد يُعرف بـ “مستقبل الجلوكاجون” (GCGR)، وهو ينتمي لعائلة مستقبلات البروتينات المقترنة بـ G. تعمل الأبحاث حالياً على تعديل هذا المستقبل لأغراض علاجية، سواء من خلال تحفيزه أو تثبيطه.
أبحاث جديدة واعدة
• علاجات مزدوجة أو ثلاثية: تجمع بين تأثير الجلوكاجون وهرمونات أخرى لتنظيم السكر والوزن.
• العلاج الجيني: لتصحيح إفراز الجلوكاجون في أمراض البنكرياس.
• مراقبة الجلوكاجون في الزمن الحقيقي: لتوقع انخفاض السكر لدى مرضى السكري.
أسئلة شائعة
هل يمكن تناول الجلوكاجون فموياً؟
لا، لأن الجلوكاجون ببتيد يتحلل في المعدة، لذا يُستخدم حقناً أو بخاخاً.
هل الجلوكاجون يساعد في إنقاص الوزن؟
نعم، ولكن لا يُستخدم وحده، بل ضمن أدوية مدمجة تعزز الشبع وتزيد من استهلاك الطاقة.
هل يمكن قياس الجلوكاجون في الفحوصات الروتينية؟
لا يُقاس عادةً في الفحوصات الروتينية إلا إذا كان هناك اشتباه بوجود ورم أو اضطراب في تنظيم السكر.
الختام
يُعد هرمون الجلوكاجون من الجنود المجهولين في الجسم، فدوره في توازن سكر الدم لا يقل أهمية عن دور الأنسولين. تكمن عبقريته في قدرته على التدخل السريع عند انخفاض السكر، مما يحمي الدماغ والأعضاء الحيوية من أضرار نقص الجلوكوز. ومع تطور الأبحاث، أصبح الجلوكاجون هدفاً محورياً في ابتكار علاجات جديدة للسمنة والسكري، ليؤكد لنا مجدداً أن أجسامنا أكثر تعقيداً وذكاءً مما نتصور.