تحاليل الخصوبة للرجال و النساء و ما الذي تقيسه و لماذا تطلب ؟

المقدمة

الخصوبة ليست فقط القدرة على الإنجاب، بل هي نتيجة لتفاعل دقيق بين عوامل جسدية وهرمونية ونفسية. وعندما يتأخر الحمل، تبدأ رحلة البحث عن الأسباب، والتي غالباً ما تبدأ بإجراء مجموعة من التحاليل المخبرية. تحاليل الخصوبة هي أدوات تشخيصية شاملة تساعد الأطباء على تقييم قدرة الزوجين على الإنجاب وتحديد العقبات المحتملة. هذا المقال يسلّط الضوء على تحاليل الخصوبة للرجال والنساء، ويفصّل ما تقيسه، ومتى تُطلب، ولماذا تُعد أساسية في التقييم الأولي والعلاج.

أولاً: تحاليل الخصوبة عند النساء

تعتمد خصوبة المرأة على عدة عوامل منها انتظام الدورة الشهرية، التوازن الهرموني، كفاءة الإباضة، صحة المبيضين، وسلامة الرحم وقنوات فالوب. لذا تتنوع التحاليل بين الهرمونات، تقييم احتياطي المبيض، وتحاليل عامة.
1. تحاليل الهرمونات الأساسية للنساء

أ) هرمون FSH (الهرمون المحفز للجريب – Follicle-Stimulating Hormone)
ما الذي يقيسه؟
يقيس مدى تحفيز الغدة النخامية للمبيضين لإنتاج البويضات.
لماذا يُطلب؟
* يُستخدم لتقييم احتياطي المبيض
* يتم فحصه عادة في اليوم الثاني أو الثالث من الدورة الشهرية
* المستويات المرتفعة تشير إلى ضعف في المبيضين (فشل مبكر أو تراجع الخصوبة)

ب) هرمون LH (الهرمون اللوتيني – Luteinizing Hormone)
ما الذي يقيسه؟
يُحفز الإباضة ويعمل بالتوازي مع FSH.
لماذا يُطلب؟
* يُستخدم للكشف عن مشاكل الإباضة
* يُقاس مع FSH لتقييم التوازن بين الهرمونات
* ارتفاعه يمكن أن يشير إلى متلازمة تكيس المبايض (PCOS)

ج) هرمون الإستروجين (Estradiol – E2)
ما الذي يقيسه؟
الهرمون الأنثوي الأساسي المسؤول عن تطور البويضات وسماكة بطانة الرحم.
لماذا يُطلب؟
* يُستخدم لتقييم احتياطي المبيض
* المستويات المرتفعة جداً قد تشير إلى خلل في وظيفة المبيض أو إلى وجود أكياس مبيضية

د) هرمون البروجستيرون (Progesterone)
ما الذي يقيسه؟
هرمون يُنتج بعد الإباضة لتحضير بطانة الرحم للحمل.
لماذا يُطلب؟
* يتم فحصه في منتصف الطور الأصفري (اليوم 21 تقريبًا في دورة 28 يومًا)
* يُستخدم لتأكيد حدوث الإباضة

هـ) هرمون البرولاكتين (Prolactin)
ما الذي يقيسه؟
هرمون الحليب الذي تفرزه الغدة النخامية.
لماذا يُطلب؟
* ارتفاعه يعيق الإباضة
* قد يشير إلى وجود أورام في الغدة النخامية

و) هرمونات الغدة الدرقية (TSH و T3 و T4)
ما الذي تقيسه؟
مستوى وظيفة الغدة الدرقية، التي تؤثر على الدورة الشهرية والإباضة.
لماذا تُطلب؟
* اضطرابات الغدة الدرقية يمكن أن تؤثر على الخصوبة
* فرط أو قصور الدرقية يمكن أن يمنع الحمل أو يؤدي إلى إجهاضات مبكرة

ز) هرمون الأندروجينات (Testosterone، DHEA-S)
ما الذي تقيسه؟
الهرمونات الذكرية التي يجب أن تكون منخفضة نسبياً لدى المرأة.
لماذا تُطلب؟
* ارتفاعها قد يكون دليلاً على تكيس المبايض أو اضطرابات في الغدة الكظرية
* تؤدي إلى مشاكل في التبويض وظهور أعراض مثل الشعر الزائد وحب الشباب
2. تحليل احتياطي المبيض

أ) تحليل AMH (مضاد الهرمون المولري – Anti-Müllerian Hormone)
ما الذي يقيسه؟
يُستخدم لقياس احتياطي المبيض وعدد البويضات المتبقية.
لماذا يُطلب؟
* يعكس القدرة الإنجابية الحالية
* لا يتأثر بوقت الدورة الشهرية
* يُستخدم في تقييم احتمالات نجاح التلقيح الاصطناعي

ب) فحص AFC (عدّ الجريبات عبر الأشعة فوق الصوتية)
ما الذي يقيسه؟
عدد الجريبات الصغيرة (2-10 ملم) في المبيضين في بداية الدورة الشهرية.
لماذا يُطلب؟
* يُستخدم بجانب AMH لتقدير الخصوبة
* يساعد في تحديد الجرعة المناسبة من منشطات التبويض في عمليات الإخصاب المساعد
3. تحاليل إضافية

أ) تحاليل الأمراض المنقولة جنسياً (مثل الكلاميديا والزهري)
لماذا تُطلب؟
* بعض العدوى المزمنة قد تسبب انسداد قنوات فالوب أو التهابات في الحوض

ب) صورة للرحم وقنوات فالوب (Hysterosalpingography – HSG)
ما الذي تُظهره؟
* سلامة الرحم وقنوات فالوب
* تُستخدم للكشف عن الانسدادات أو التشوهات

ثانياً: تحاليل الخصوبة عند الرجال

خصوبة الرجل تعتمد أساسًا على جودة وعدد الحيوانات المنوية، وقدرة الخصية والغدد على إنتاج هذه الخلايا بكفاءة. تحاليل الخصوبة عند الرجل تركز على:
1. تحليل السائل المنوي (Semen Analysis)

وهو التحليل الأهم في تقييم الخصوبة الذكرية، ويقيس:

أ) عدد الحيوانات المنوية (Sperm Count)
* العدد الطبيعي أكثر من 15 مليون/مل

ب) الحركة (Motility)
* يُفضل أن تكون النسبة الكلية للحركة فوق 40%
* الحركة التقدمية (التي تسمح بالوصول للبويضة) يجب أن تكون فوق 32%

ج) الشكل (Morphology)
* تُقاس حسب معايير منظمة الصحة العالمية
* النسبة الطبيعية للأشكال السليمة > 4%

د) الحموضة (pH)
* تشير إلى وظيفة البروستاتا والحويصلات المنوية

هـ) اللزوجة والحجم
* الحجم الطبيعي بين 1.5 – 5 مل
* اللزوجة العالية قد تعيق الحركة
2. تحاليل الهرمونات للرجال

أ) هرمون FSH
* يقيس وظيفة الخصية في إنتاج الحيوانات المنوية
* ارتفاعه يشير إلى فشل الخصية الأولي

ب) هرمون LH
* يُحفز الخصية على إنتاج التستوستيرون
* يُفحص لتحديد سبب نقص التستوستيرون

ج) هرمون التستوستيرون
* الهرمون الذكري الأساسي
* انخفاضه يؤثر على الرغبة الجنسية وإنتاج الحيوانات المنوية

د) هرمون البرولاكتين
* ارتفاعه يسبب ضعف الانتصاب وانخفاض التستوستيرون

هـ) هرمون TSH
* قصور الغدة الدرقية يؤثر على القدرة الجنسية والخصوبة
3. تحاليل متقدمة للرجل

أ) تحليل تكسّر الحمض النووي للحيوانات المنوية (DNA Fragmentation Test)
* يكشف جودة المادة الوراثية
* تُطلب عند تكرار فشل الإخصاب أو الإجهاضات المتكررة

ب) تحليل الأجسام المضادة للحيوانات المنوية (Antisperm Antibodies)
* تُظهر وجود أجسام مناعية تهاجم الحيوانات المنوية
* تؤثر على الحركة والاختراق

ج) اختبارات العدوى أو الالتهابات
* مثل مزرعة السائل المنوي
* تُطلب في حال وجود كريات دم بيضاء مرتفعة أو لزوجة شديدة

ثالثاً: لماذا تُطلب تحاليل الخصوبة؟

التحاليل لا تُطلب عبثًا، بل تلعب دورًا جوهريًا في:
1. التشخيص المبكر
* تكشف عن الأسباب الخفية لتأخر الحمل
* تساعد في وضع خطة علاجية فعالة
2. توجيه العلاج المناسب
* اختيار العلاج (أدوية تنشيط، جراحة، تلقيح صناعي، أطفال أنابيب)
* تحديد مدى الحاجة للتقنيات المساعدة
3. تقييم فرص نجاح العلاج
* بعض الحالات قد تتطلب تحفيز مبيض أو سحب بويضات
* جودة الحيوانات المنوية تؤثر على اختيار نوع الإخصاب (تقليدي أم بالحقن المجهري)
4. الوقاية من المضاعفات
* فحص الهرمونات والغدة الدرقية والبرولاكتين يساعد على تجنب الإجهاضات المتكررة
* الكشف عن العدوى يمنع انتقال الأمراض إلى الشريك أو الجنين
5. دعم القرار العائلي
* بعض الأزواج قد يقررون تجميد البويضات أو الحيوانات المنوية في حالات ضعف الخصوبة

رابعاً: متى يجب إجراء تحاليل الخصوبة؟

يوصى ببدء تقييم الخصوبة إذا:
• مر عام على الزواج دون حدوث حمل (أو 6 أشهر إذا كانت المرأة فوق 35 عامًا)
• كانت الدورة الشهرية غير منتظمة
• هناك تاريخ مرضي لمشاكل في الإنجاب
• لدى أحد الزوجين أمراض مزمنة أو عمليات جراحية في الجهاز التناسلي
• كان هناك حالات إجهاض متكرر أو فشل متكرر في الإخصاب المساعد

خامساً: أهمية التحاليل في علاج العقم

العقم قد يكون بسيطًا أو معقدًا، وقد يتطلب:
• تصحيح بسيط في الهرمونات
• علاج دوائي لتحفيز الإباضة
• جراحة لعلاج دوالي الخصية أو انسداد الأنابيب
• اللجوء إلى تقنيات الإخصاب المساعد (IVF، ICSI)
تحاليل الخصوبة توجه الأطباء إلى التشخيص السليم والعلاج الأكثر نجاحًا، وتوفر الوقت والجهد النفسي والمادي على الأزواج.

الختام

تحاليل الخصوبة تمثل حجر الزاوية في تقييم القدرة الإنجابية عند الرجل والمرأة، وهي ليست مجرد أرقام، بل انعكاس حقيقي لصحة الجهاز التناسلي. تأخر الإنجاب ليس نهاية الطريق، بل بداية لفهم الذات بشكل أعمق. من خلال هذه التحاليل، يمكن كشف العوائق وتجاوزها بمساعدة الطب الحديث، لتتحقق أمنيات الإنجاب في الوقت المناسب. يُنصح كل زوجين يواجهان تأخرًا في الحمل بعدم الانتظار طويلاً، والبدء بالتحاليل المناسبة للوصول إلى التشخيص الدقيق، والعلاج الفعّال