داء المُشَعَّرات-Trichomoniasis

مقدمة

في زحام الأمراض المنقولة جنسيًا التي تحظى بتغطية إعلامية واسعة مثل الإيدز والزهري والسيلان، غالبًا ما يهمل داء المُشَعَّرات (Trichomoniasis) دون أن يُذكر، رغم كونه من أكثر الأمراض المنقولة جنسيًا انتشارًا على مستوى العالم. يُقدر عدد المصابين به بمئات الملايين سنويًا، ومع ذلك، يظل هذا المرض من الأمراض التي تُعرف بـ”العدوى الصامتة”، إذ يعاني كثير من المصابين منه دون أعراض تُذكر، مما يساهم في انتشاره الخفي وتأثيره العميق على الصحة الجنسية والإنجابية.

في هذا المقال، نسلط الضوء على هذا الداء المهمل، موضحين طرق انتقاله، أعراضه، أسبابه، والخرافات المنتشرة حوله، مع التركيز على الحقائق العلمية الدقيقة التي من شأنها أن ترفع الوعي وتساهم في الحد من انتشاره.

أولًا: ما هو داء المُشَعَّرات؟

داء المُشَعَّرات هو عدوى تسببها طفيليات أحادية الخلية تُعرف باسم “المُشَعَّرة المهبلية” (Trichomonas vaginalis)، وهي كائنات حية دقيقة لا تُرى بالعين المجردة وتعيش في الجهاز التناسلي للمرأة، وفي الإحليل عند الرجال.

هذه العدوى تُعد من الأمراض المنقولة جنسيًا، وتصيب النساء أكثر من الرجال بشكل عام، وتكون عادة مصحوبة بأعراض لدى النساء، بينما يكون الرجال في الغالب حاملين للعدوى دون ظهور أعراض واضحة.

ثانيًا: كيف تحدث العدوى؟

طرق الانتقال

ينتقل داء المُشَعَّرات عبر الاتصال الجنسي، سواء كان مهبليًا أو في حالات نادرة عن طريق ملامسة الأعضاء التناسلية دون إيلاج. ولا يُعد الجنس الفموي أو الشرجي طريقًا شائعًا لنقل هذه العدوى.

الطرق المعروفة للانتقال:
1. الجماع المهبلي : هو الطريق الأساسي لنقل الطفيلي من شخص لآخر.
2. مشاركة الأدوات الجنسية: قد تنقل العدوى عند مشاركة الألعاب الجنسية دون تنظيفها أو تغطيتها بواقي أيضاََ الأدوات التي تستخدم للكشف المهبلي دون تنظيف أو تعقيم.
3. نادرًا عبر ملامسة خارجية: في بعض الحالات النادرة، يمكن للطفيلي الانتقال عن طريق احتكاك الأعضاء التناسلية الخارجية إذا وُجد إفرازات حاملة للطفيلي.

هل ينتقل عن طريق المرحاض؟

الانتقال غير الجنسي: رغم الشائعات، لم تُثبت الدراسات إمكانية انتقال الطفيلي عن طريق الحمامات العامة،أو المسابح، أو مشاركة المناشف، لأنه لا يعيش طويلًا خارج جسم الإنسان.

ثالثًا: من الأكثر عرضة للإصابة؟

بعض الفئات تكون أكثر عرضة للإصابة بداء المُشَعَّرات، مثل:
• النساء في سن الإنجاب، خاصة من لديهن علاقات جنسية متعددة.
• من لا يستخدمون وسائل الحماية مثل الواقي الذكري.
• المصابون بأمراض منقولة جنسيًا أخرى.
• من يعانون من ضعف المناعة.
• من لديهم علاقات جنسية غير شرعية.

رابعًا: الأعراض عند النساء والرجال

الأعراض لدى النساء:

قد تظهر الأعراض بعد 5 إلى 28 يومًا من الإصابة، وتشمل:
• إفرازات مهبلية رغوية ذات لون أصفر أو أخضر ورائحة كريهة.
• حكة أو حرقة في المهبل أو في المنطقة التناسلية الخارجية.
• ألم أثناء التبول أو الجماع.
• احمرار أو تورم في الفرج أو المهبل.
• تغير في رائحة الإفرازات المهبلية خاصة بعد الجماع.

في بعض الحالات، لا تظهر الأعراض مطلقًا، مما يجعل النساء حاملات للعدوى دون علمهن، وينقلنها إلى الآخرين.

الأعراض لدى الرجال:

غالبًا ما تكون العدوى بدون أعراض، ولكن عندما تظهر، تكون على شكل:
• حرقة أثناء التبول أو بعد القذف.
• إفرازات من الإحليل.
• حكة أو تهيج من داخل القضيب.
• الشعور بانزعاج وعدم ارتياح في مجرى البول.

وتكمن الخطورة في صمت العدوى، إذ يمكن للرجل أن ينقل الطفيلي لشريكته دون أن يعرف أنه مصاب.

خامسًا: أسباب الإصابة بالمرض

السبب الرئيسي وراء الإصابة هو الاتصال الجنسي مع شخص مصاب بالطفيلي، ولكن هناك عوامل تزيد من خطر الإصابة:
1. قلة استخدام وسائل الحماية الجنسية مثل الواقي الذكري.
2. العلاقات الجنسية المتعددة دون فحوصات دورية.
3. الإصابة السابقة بأمراض منقولة جنسيًا.
4. انخفاض المناعة، سواء لأسباب مرضية أو بسبب التوتر المزمن.
5. عدم الوعي بوجود العدوى، مما يؤدي لانتقالها دون أعراض.

سادسًا: كيف يتم التشخيص؟

يتم تشخيص داء المُشَعَّرات من خلال زيارة الطبيب المختص، ويعتمد التشخيص على:
• الفحص السريري للأعراض.
• أخذ مسحة مهبلية أو مسحة من الإحليل لفحصها تحت المجهر.
• استخدام اختبارات سريعة أو زراعة الطفيلي في المختبر.
• تحليل البول في بعض الحالات.

في السنوات الأخيرة، أصبحت التحاليل الجزيئية (مثل اختبار PCR) شائعة ودقيقة في التشخيص، وتُستخدم لتحديد العدوى بدقة حتى في غياب الأعراض.

سابعًا: مضاعفات إهمال العلاج

إهمال علاج داء المُشَعَّرات قد يؤدي إلى:
• زيادة خطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية (HIV).
• الالتهابات المزمنة في الجهاز التناسلي.
• مشكلات في الحمل مثل الولادة المبكرة أو انخفاض وزن المولود.
• نقل العدوى إلى الشريك الجنسي باستمرار.
• التأثير على الخصوبة عند النساء والرجال.

لذلك، فإن الاكتشاف المبكر والعلاج الفوري ضرورة طبية وتوعوية.

ثامنًا: العلاج المتاح

داء المُشَعَّرات يُعالج باستخدام مضادات الطفيليات مثل:
• ميترونيدازول (Metronidazole).
• تينيدازول (Tinidazole).

غالبًا ما يكون العلاج على شكل جرعة واحدة فموية، لكن في بعض الحالات يُفضل العلاج لعدة أيام. يُنصح بالعلاج لكلا الشريكين الجنسيين حتى لو لم تظهر الأعراض، لمنع إعادة العدوى.

يجب الامتناع عن العلاقة الجنسية أثناء فترة العلاج ولمدة أسبوع بعد انتهائه، كما يُمنع تناول الكحول عند استخدام بعض أنواع الدواء لتجنب التفاعلات أو التقليل من مفعول العلاج .

تاسعًا: خرافات منتشرة حول المرض

الخرافة 1: داء المُشَعَّرات لا يُصيب الرجال.

الحقيقة: يُصيب الرجال لكن غالبًا بلا أعراض، وهم من أبرز ناقلي العدوى للنساء دون أن يعلموا.

الخرافة 2: يمكن الإصابة به من المسابح أو الحمامات العامة.

الحقيقة: الطفيلي لا يعيش خارج الجسم لفترات طويلة، لذا الانتقال عبر هذه الطرق ضعيف و غير محتمل.

الخرافة 3: طالما لا توجد أعراض، فلا داعي للعلاج.

الحقيقة: الطفيلي قد يبقى في الجسم ويسبب مشاكل على المدى البعيد حتى في غياب الأعراض.

الخرافة 4: استخدام الغسول المهبلي يحمي من الإصابة.

الحقيقة: الغسول لا يحمي، بل قد يُخلّ بالتوازن الطبيعي للبكتيريا ويزيد من القابلية للإصابة.

عاشرًا: حقائق طبية مهمة

1. داء المُشَعَّرات هو أكثر الأمراض الطفيلية الجنسية شيوعًا عالميًا.
2. تُصاب به النساء أكثر من الرجال بثلاثة أضعاف.
3. استخدام الواقي الذكري بشكل صحيح يقلل من خطر الإصابة لكنه لا يمنعها  بشكل كلي.
4. الفحص الدوري يُعد وسيلة فعالة لاكتشاف العدوى مبكراََ.
5. المرض يمكن علاجه تماماََ، لكن لا يمنع من الإصابة مجددًا في المستقبل.
6. العدوى لا تمنح مناعة، وقد تحدث الإصابة مراراََ.

الختام

في عالم تسود فيه المفاهيم الخاطئة وتُهمل فيه الفحوصات الجنسية الدورية ولا يحرص عليها ، يبرز داء المُشَعَّرات كعدوى تستحق الانتباه والتوعية. فهو مرض شائع، يسهل تشخيصه، ويمكن علاجه ببساطة، ومع ذلك يسبب مضاعفات خطيرة إذا تُرك دون علاج.

لا يجب أن يمنع الخجل أو النظرة المجتمعية الأفراد من طلب الفحص والعلاج، فالصحة الجنسية جزء لا يتجزأ من الصحة العامة، ومواجهتها بالوعي والمعرفة مسؤولية الفرد و المجتمع.

إذا شعرت بأعراض غير طبيعية، أو كان لك علاقات جنسية متعددة ، أو كنت تخطط للزواج، فالفحص المبكر لداء المُشَعَّرات وغيرها من الأمراض المنقولة جنسيًا يُعد استثماراََ في صحتك وسلامة شريكك