لماذا لا يمكن تجاهل تحاليل ما قبل الزواج؟

المقدمة

الزواج ليس مجرد ارتباط عاطفي أو اجتماعي بين شخصين، بل هو مؤسسة تبنى على أسس متعددة تشمل التوافق الجسدي والنفسي والصحي. وفي هذا السياق، تأتي تحاليل ما قبل الزواج كخطوة حاسمة تسبق عقد القران. كثير من الناس يظنون أن هذه الفحوصات مجرد إجراء روتيني لا طائل منه، لكن الحقيقة أنها تمثل خط الدفاع الأول لحماية الزوجين وأطفالهما من أمراض وراثية، وعدوى مزمنة، ومشكلات صحية قد تؤدي إلى معاناة طويلة الأمد.
في هذا المقال، سنسلط الضوء على تحاليل ما قبل الزواج، ونوضح لماذا لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهلها، وما هي الأمراض التي تهدف هذه الفحوصات إلى كشفها، وما الآثار السلبية المترتبة على إهمالها، مع التركيز على البعد الإنساني والصحي والاجتماعي لهذه الخطوة.

أولًا: ما هي تحاليل ما قبل الزواج؟

تحاليل ما قبل الزواج هي مجموعة من الفحوصات الطبية التي تُجرى للزوجين المحتملين، بهدف الكشف المبكر عن بعض الأمراض الوراثية أو المعدية أو المزمنة التي قد تؤثر على صحة أحد الطرفين أو أبنائهما مستقبلًا.

تُجرى هذه الفحوصات في مراكز صحية معتمدة، وتكون غالبًا إلزامية في بعض الدول كشرط لإتمام عقد الزواج. تختلف قائمة التحاليل باختلاف الدولة، لكن في المجمل تشمل فحوصات:
• الأمراض الوراثية (مثل فقر الدم المنجلي، والثلاسيميا)
• الأمراض المعدية (مثل التهاب الكبد B وC، وفيروس نقص المناعة HIV)
• تحاليل الخصوبة والهرمونات (في بعض الحالات الخاصة)
• توافق فصائل الدم وعامل ريسس (Rh)

ثانيًا: أهمية تحاليل ما قبل الزواج

1. الوقاية من الأمراض الوراثية

من أهم أهداف فحوصات ما قبل الزواج هو الكشف عن الأمراض الوراثية التي قد تنتقل للأبناء إذا كان كلا الزوجين حاملين للمرض. مثال شائع هو مرض الثلاسيميا أو الأنيميا المنجلية، وهما مرضان دمويان خطيران يسببان تشوهات في خلايا الدم الحمراء، ويؤديان إلى مضاعفات صحية مزمنة بل وقد تكون مميتة.

إجراء التحاليل يساعد على:
• التعرف على الحالة الجينية لكل من الشريكين.
• تقييم احتمالات ولادة أطفال مصابين.
• إعطاء الطرفين الفرصة لاتخاذ قرارات مستنيرة بشأن زواجهما وخطط الإنجاب.

2. الحماية من الأمراض المعدية

بعض الأمراض مثل فيروس نقص المناعة (HIV) أو التهاب الكبد B و C تنتقل بسهولة بين الزوجين عبر الاتصال الجنسي أو أثناء الحمل. اكتشاف هذه الأمراض قبل الزواج يمكن أن:
• يمنع انتقال العدوى بين الزوجين.
• يتيح البدء في العلاج مبكرًا.
• يقلل فرص انتقال المرض إلى الأبناء.

3. الكشف عن مشاكل الخصوبة المحتملة

في بعض الدول أو الحالات، تشمل التحاليل تقييم بعض الهرمونات التي تساعد في تشخيص مشاكل الخصوبة، خاصة عند وجود تاريخ مرضي أو أعراض تشير إلى اضطرابات هرمونية. معرفة ذلك مسبقًا يفتح باب العلاج المبكر ويمنع الكثير من الصراعات المستقبلية.

4. التوافق في فصائل الدم وعامل ريسس (Rh)

إذا كان أحد الشريكين يحمل عامل ريسس سالبًا (Rh-) والآخر يحمل موجبًا (Rh+)، فقد يؤدي ذلك إلى مشكلات في الحمل الثاني تحديدًا، مثل تحلل دم الجنين. الفحص يساعد على اتخاذ إجراءات وقائية أثناء الحمل لحماية الجنين.

5. تعزيز الوعي الصحي

تحاليل ما قبل الزواج لا تقتصر على نتائج رقمية، بل هي بوابة لرفع مستوى الوعي الصحي لدى الزوجين. إذ تُتاح لهما فرصة التعرف على حالة كل منهما الصحية، وكيفية الوقاية أو التعايش مع الأمراض المزمنة إذا كانت موجودة.

ثالثًا: الآثار المترتبة على إهمال تحاليل ما قبل الزواج

إهمال هذه التحاليل قد يترتب عليه عواقب خطيرة، منها:

1. ولادة أطفال يعانون من أمراض وراثية

في حال كان كلا الزوجين حاملين لجينات مرض وراثي، فإن احتمالات إنجاب أطفال مرضى تكون عالية، مما يعني معاناة طويلة لهؤلاء الأطفال مع الحاجة إلى رعاية طبية مستمرة، ونفقات علاجية باهظة.

2. انتقال العدوى بين الزوجين

عدم كشف الأمراض المعدية قبل الزواج قد يؤدي إلى إصابة أحد الطرفين بمرض مزمن نتيجة العلاقة الزوجية، وهو ما قد يدمر الحياة الزوجية من بدايتها.

3. مشاكل نفسية واجتماعية

عندما يُكتشف مرض أو عقم أو عدوى بعد الزواج، قد يؤدي ذلك إلى اضطرابات نفسية، وفقدان الثقة، وحدوث خلافات وربما انفصال، خاصة إذا شعر أحد الطرفين بأنه “خُدع” أو لم يتم إعلامه بحقيقة الوضع الصحي للطرف الآخر.

4. أعباء مالية ضخمة

تكاليف علاج الأمراض المزمنة أو الوراثية أو العقم تفوق بكثير تكلفة التحاليل الوقائية البسيطة، فضلًا عن المعاناة النفسية التي لا تُقدّر بثمن.

رابعًا: الشفافية والقرار الصائب

من أبرز فوائد الفحص قبل الزواج أنه يفتح باب المصارحة والشفافية بين الطرفين. معرفة النتائج تعني تمكين كل شخص من اتخاذ القرار الصحيح دون خداع أو مجازفة. ليس الهدف من التحاليل منع الزواج، بل إعطاء الخيار الواعي المدروس للطرفين، وتوفير استشارة طبية في حال وجود خطر.

في بعض الحالات، ينصح الأطباء بعدم الزواج إذا كان هناك خطر عالٍ لإنجاب أطفال مصابين بمرض وراثي شديد، وفي حالات أخرى، قد يُنصح باتخاذ إجراءات احترازية أو اللجوء إلى تقنيات مثل التلقيح الصناعي باستخدام أجنة خالية من المرض (PGD).

خامسًا: الجانب القانوني والديني

في العديد من الدول، أصبحت هذه التحاليل إلزامية بقوة القانون، ولا يُستكمل عقد الزواج إلا بعد تقديم شهادة فحص طبي. والهدف من هذا ليس التقييد، بل الحفاظ على الصحة العامة والحد من انتشار الأمراض.

أما من الناحية الدينية، فإن أغلب المراجع الإسلامية والمسيحية تدعو إلى الوقاية وتحقيق مبدأ “لا ضرر ولا ضرار”، وهو ما يدعم أهمية الفحص الطبي قبل الزواج، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بحماية الأجيال القادمة.

سادسًا: الفحوصات الأكثر شيوعًا في تحاليل ما قبل الزواج

عادةً ما تشمل تحاليل ما قبل الزواج الآتي:
• فحص الهيموغلوبين الكهربائي لتحديد أمراض الدم الوراثية.
• فحص فيروس نقص المناعة (HIV).
• فحص التهاب الكبد B وC.
• تحليل فصيلة الدم وعامل ريسس.
• فحوصات الأمراض المنقولة جنسيًا مثل الزهري.
• في بعض الحالات: فحوصات الخصوبة، وتحليل الهرمونات مثل LH، FSH، وهرمون الحليب.

سابعًا: هل يمكن تكرار هذه التحاليل أو تحديثها؟

نعم، في بعض الحالات يُنصح بإعادة الفحص، خاصة إذا تم قبل مدة طويلة من الزواج أو طرأت تغيرات صحية لدى أحد الطرفين. كذلك قد تتطلب بعض الحالات استشارة طبيب مختص لمتابعة أي نتائج غير طبيعية وتقييم مدى تأثيرها على الزواج والإنجاب.

الختام

تحاليل ما قبل الزواج ليست رفاهية أو إجراءً شكليًا، بل هي ضرورة صحية وأخلاقية ومجتمعية. إنها الدرع الواقي من الكثير من المآسي التي يمكن تجنبها بسهولة عبر فحوصات بسيطة ومبكرة. تجاهل هذه التحاليل قد يكون ثمنه غاليًا على الزوجين وعلى أبنائهما وعلى المجتمع ككل.

الوعي والشفافية والوقاية هي مفاتيح أسرة صحية وسعيدة. لذلك، يجب أن يكون إجراء الفحوصات الطبية قبل الزواج قرارًا لا تردد فيه، بل خطوة مسؤولة تؤسس لزواج ناجح ومستقر من كافة الجوانب