ماذا يعني صديد البول؟

المقدمة

يُعد البول أحد المؤشرات الحيوية التي تعكس الكثير من جوانب صحة الإنسان. ومن بين التغيرات المهمة التي قد تظهر فيه، وجود الصديد أو ما يُعرف طبياََ باسم “القيح” (Pus) في البول، وهي حالة ليست مرضية بحد ذاتها، بل عرض و علامة لمشكلة صحية بالجسم. قد تكون تلك المشكلة بسيطة كعدوى بكتيرية مؤقتة، أو علامة على حالة طبية أكثر خطورة تحتاج إلى تدخل عاجل.

في هذا المقال سنتحدث عن ملعومات شاملة لفهم الصديد في البول، ما يعنيه وجوده، الأعراض المصاحبة، الأسباب المحتملة، المضاعفات، وكيفية التعامل الصحيح مع هذه الحالة.

ما هو الصديد في البول؟

الصديد هو مادة بيضاء أو صفراء تحتوي على خلايا دم بيضاء ميتة، ونواتج تفتت أنسجة، وبكتيريا أو مسببات مرضية أخرى. عندما يظهر في البول، يُعرف ذلك طبياً باسم (Pyuria)، وهي مؤشر واضح على وجود التهاب أو عدوى في الجهاز البولي.
في التحاليل المخبرية، يُكتشف الصديد من خلال فحص البول تحت المجهر، أو بتحليل كيميائي يظهر وجود عدد كبير من كريات الدم البيضاء. ويُعتبر البول طبيعياََ إذا احتوى على أقل من 5 خلايا دم بيضاء لكل حقل عيني ميكروسكوبي. أما وجود عدد أعلى من ذلك، فيعد غير طبيعي ويستدعي التقييم.

من يُصيب صديد البول؟

يمكن لأي شخص أن يُصاب بالبول القيحي . ومع ذلك، فأنت أكثر عرضة للإصابة بالبول القيحي إذا كنت:

أنثى.
أكبر من 45 عامًا.
تعاني من أعراض انقطاع الطمث.

الأعراض المصاحبة لوجود الصديد في البول

في كثير من الحالات، لا يأتي الصديد في البول بمفرده، بل يترافق مع أعراض قد تكون مزعجة، وقد تنذر بحالة طبية خطيرة. من أبرز الأعراض المصاحبة:
• حرقة أثناء التبول: أحد أكثر الأعراض شيوعًا، وغالبًا ما يشير إلى التهاب في المثانة أو الإحليل.
• تكرار التبول: حيث يشعر المريض بالحاجة المتكررة للتبول حتى لو لم تكن المثانة ممتلئة.
• صعوبة في التبول: قد يشعر الشخص بعدم القدرة على إخراج البول بسهولة أو بشعور بالضغط.
• تغير في لون البول: قد يبدو البول عكراََ، أو يميل إلى اللون الأصفر الغامق، أو حتى يحتوي على آثار دم.
• رائحة كريهة للبول: تشير أحيانًا إلى وجود عدوى بكتيرية.
• ألم في أسفل البطن أو الخاصرة: يدل على احتمال انتقال العدوى إلى الكليتين.
• الحمى أو القشعريرة: في حال كانت العدوى أكثر شدة وهي أشارة لالتهاب الجزء العلوي للجهاز البولي.

لكن في بعض الحالات، لا يشتكي المريض من أي أعراض، ويُكتشف الصديد بالصدفة خلال تحليل روتيني للبول، وهنا تكمن أهمية الفحص الدوري.

ما هي رائحة البول القيحي؟

إذا كنت تعاني من البول القيحي أو (صديد في البول) كأحد أعراض التهاب المسالك البولية، فقد يكون لبولك رائحة كريهة تشبه رائحة الأمونيا. للأمونيا رائحة قوية ومميزة قد تُهيّج الأغشية المخاطية في الأنف. ربما تعرف رائحة الأمونيا، فهي مكون أساسي في العديد من منتجات التنظيف.

على ماذا يدل وجود الصديد في البول؟

وجود الصديد في البول لا يعني دائماََ نفس الشيء، بل يختلف دلالته باختلاف السبب. إليك أبرز ما قد يدل عليه:

أولاََ: عدوى المسالك البولية

وهي السبب الأكثر شيوعاََ للصديد في البول. تشمل التهاب المثانة، التهاب الإحليل، أو التهاب الكلى إذا كان يصاحبه ارتفاع في درجة الحرارة. تحدث غالباََ بسبب دخول بكتيريا مثل E.coli عبر مجرى البول.

ثانياََ: الأمراض المنقولة جنسياََ

مثل الكلاميديا أو السيلان، والتي قد تسبب التهاب الإحليل وظهور صديد في البول، خاصة عند الشباب.

ثالثًا: حصى الكلى أو المثانة

الحصى قد تسبب خدشاََ في بطانة الجهاز البولي، ما يؤدي إلى الالتهاب وظهور الصديد.

رابعًا: التهاب الكلى الحاد أو المزمن

عندما تنتقل العدوى من المثانة إلى الكلى، تظهر أعراض أشد مع صديد واضح في البول، وقد يرافقه دم.

خامساََ: الدرن البولي (سل الكلى)

وهو حالة نادرة ولكنها خطيرة، تسبب ظهور صديد في البول دون وجود بكتيريا ظاهرة في الزرع، ويُكتشف بتحليل خاص.

سادساََ: أمراض المناعة الذاتية

مثل الذئبة الحمراء أو التهاب الكلى الناتج عن الأجسام المضادة، والتي تؤثر على الكلى وتُظهر صديداََ في البول بدون عدوى بكتيرية.

سابعاََ: سرطان المثانة أو الكلى

في المراحل المتقدمة، قد يؤدي السرطان إلى تهيج الأنسجة وظهور صديد في البول مع دم في بعض الأحيان.

ثامناََ: التهاب البروستاتا لدى الرجال

ويعد سبباََ مهماََ في ظهور الصديد لدى الرجال البالغين، خاصة عند وجود ألم في الحوض أو مشاكل في التبول.

أسباب أخرى نادرة ولكن محتملة

• استخدام القسطرة البولية لفترة طويلة
• وجود جسم غريب داخل المثانة أو الإحليل
• التهاب الجيوب الكلوية
• العدوى الفطرية لدى مرضى السكري أو مرضى الأمراض المناعية.

الفرق بين الصديد والعدوى

يجب التنبيه إلى أن وجود الصديد لا يعني دائماََ وجود عدوى نشطة، فهناك حالات يظهر فيها الصديد دون بكتيريا عند عمل مزرعة للبول، وهو ما يعرف بـ”البيلة القيحية المعقمة”. قد تُشاهد هذه الحالة في:
• الأشخاص الذين بدأوا علاجاََ بالمضادات الحيوية قبل إجراء التحليل.
• مرضى السل البولي التناسلي.
• بعض الأمراض المزمنة والمناعية.

لذلك، لا يكفي وجود الصديد لتشخيص العدوى، بل يجب التأكد من مزرعة البول والتحاليل المصاحبة مثل وظائف الكلى و غيرها من التحاليل.

كيف يتم تشخيص سبب الصديد في البول؟

يتضمن التشخيص مجموعة من الخطوات التي تهدف للوصول إلى السبب الدقيق:
• فحص البول الكامل (Urinalysis): للكشف عن الصديد، الدم، البروتين، أو البكتيريا.
• مزرعة البول (Urine Culture): لمعرفة نوع البكتيريا المسببة للعدوى، وتحديد المضاد الحيوي المناسب.
• تحاليل الدم: مثل تعداد الدم الكامل، ومؤشرات الالتهاب.
• الأشعة الصوتية للبطن والكلى: للكشف عن الحصى، التهابات الكلى، أو وجود خراج.
• أشعة مقطعية أو رنين مغناطيسي في الحالات المعقدة
• فحوصات الأمراض المنقولة جنسيًا، خاصة عند الشباب أو في حال وجود إفرازات من الإحليل أو المهبل.

مضاعفات الصديد في البول

عند إهمال الحالة أو تأخر التشخيص، قد تحدث مضاعفات خطيرة، خاصة إذا كان السبب هو عدوى بكتيرية لم تُعالج بالشكل الصحيح. ومن أخطر المضاعفات:

1. انتشار العدوى للكلى

يسبب ما يُعرف بالتهاب الحويضة والكلية، وهي حالة طبية طارئة.

2. الإنتان البولي (Urosepsis)

عندما تنتقل العدوى إلى مجرى الدم، وقد تؤدي إلى صدمة إنتانية، وهي مهددة للحياة.

3. تكرار العدوى

خاصة عند النساء أو مرضى السكري، مما يؤدي إلى مشكلات مزمنة.

4. تندب الكلى

في حال العدوى المتكررة أو المزمنة، مما قد يؤثر على كفاءة الكلى ويقود إلى الفشل الكلوي التدريجي.

5. العقم

خاصة في حالات الأمراض المنقولة جنسياََ التي لم تُعالج، حيث تؤثر على الجهاز التناسلي.

6. تكون الخُراج

في الكلى أو المثانة نتيجة تراكم القيح.

7. تشكل الحصى

عدوى المسالك البولية المزمنة قد تهيئ لتكوين الحصوات، والتي بدورها تسبب التهابات جديدة.

هل وجود الصديد في البول خطير دائماََ؟

ليس بالضرورة. في كثير من الحالات، تكون الحالة بسيطة ومؤقتة، خاصة عند النساء نتيجة التهابات المثانة العارضة. لكن الخطر يكمن في إهمال السبب أو تكرار الحالة، أو وجود أعراض شديدة مثل الحمى، وألم الخاصرة، أو خروج دم مع البول، ما يستوجب استشارة الطبيب فوراََ.

كيف يتم علاج الصديد في البول؟

يعتمد العلاج على السبب، لكنه غالبًا يشمل:
• المضادات الحيوية المناسبة بعد تحديد نوع البكتيريا في حال وجود عدوى.
• السوائل الوريدية أو الفموية للمساعدة على طرد البكتيريا من الجسم.
• علاج السبب الأساسي مثل إزالة الحصى، علاج التهاب البروستاتا، أو معالجة الأمراض المنقولة جنسياََ.
• مسكنات الألم أو خافضات الحرارة عند الحاجة.
• تكرار التحاليل بعد العلاج للتأكد من زوال المشكلة.

الوقاية

كيف تحمي نفسك من الصديد في البول؟

• شرب كميات كافية من الماء يومياََ.
• الاهتمام بالنظافة الشخصية، خاصة بعد التبول أو التبرز.
• عدم حبس البول لفترات طويلة.
• التبول بعد العلاقة الجنسية لدى النساء.
• تجنب استخدام الصابون أو المواد الكيميائية المهبلية المهيجة.
• ارتداء ملابس داخلية قطنية وتغييرها بانتظام.
• التحكم الجيد في مرض السكري.
• المتابعة الدورية للتحاليل عند وجود تاريخ مرضي أو تكرار الأعراض.

خرافات وشائعات حول الصديد في البول

• “شرب عصير التوت يغني عن العلاج”: التوت قد يساعد على الوقاية، لكنه لا يغني أبداََ عن المضاد الحيوي في حالات العدوى.
• “الصديد يعني دائماََ وجود مرض خطير”: غير صحيح، فالصديد قد يكون ناتجاََ عن أسباب بسيطة وسهلة العلاج.
• “الصديد عند الحامل طبيعي”: وجود الصديد عند الحامل ليس طبيعياََ، وقد يشير إلى عدوى قد تضر بالأم أو الجنين إن لم تُعالج.

الختام

وجود الصديد في البول علامة لا يجب تجاهلها، حتى لو لم تظهر أعراض واضحة. قد يكون المؤشر الأول لعدوى بسيطة، أو لمرض معقد يحتاج لتدخل طبي سريع. الفحص المبكر، والمتابعة مع الطبيب، وتحليل البول بشكل دوري، خصوصاََ لمن لديهم أمراض مزمنة أو أعراض متكررة، كلها مفاتيح للحفاظ على صحة الجهاز البولي وتجنب المضاعفات. لا تهمل أي تغير في لون أو رائحة أو طبيعة البول، فالجسم يتحدث بلغته الخاصة، وكل عرض هو رسالة علينا أن نصغي لها جيداََ.