مقدمة
يمرّ الإنسان في فترة المراهقة بتغيرات كبيرة تمسّ الجسم والنفس والسلوك أيضاََ . هي مرحلة نموّ و إعادة تشكّل الهوية، و تكون الشحصية، وفيها يبدأ الشاب أو الفتاة باكتشاف الذات، والرغبة في الاستقلال، والانجذاب للطرف الآخر. ومع هذا التغير الطبيعي، تظهر تحديات جديدة تستدعي التوعية والمعرفة، خصوصاََ في ما يتعلق بالصحة الجنسية، والتي تُعدّ من المواضيع المسكوت عنها في كثير من المجتمعات رغم حساسيتها وخطورتها الكبيرة. من بين هذه القضايا تأتي الأمراض المنقولة جنسيًا، والتي قد تترك آثارًا صحية ونفسية طويلة الأمد إذا لم يُحسن التعامل معها.
ما هي الأمراض الجنسية ولماذا يجب الحديث عنها؟
الأمراض المنقولة جنسيًا هي عدوى تنتقل من شخص إلى آخر من خلال الاتصال الجنسي، سواء كان مهبليًا، أو شرجيًا، أو فمويًا. وتنتقل هذه الأمراض من خلال الدم، أو الإفرازات المهبلية، أو المني، أو السائل المنوي ، أو حتى التلامس الجلدي المباشر في بعض الحالات. من أمثلتها مرض الكلاميديا، السيلان، الزهري، الهربس التناسلي، فيروس نقص المناعة البشري (HIV)، فيروس الورم الحليمي البشري (HPV)، وداء المُشعَّرات.
الحديث عنها مع الشباب لا يعني تشجيعهم على السلوكيات الخاطئة، بل على العكس تماماََ، فالجهل هو الخطر الأكبر على صحة السباب و المجتمع. معظم المراهقين يتلقون معلوماتهم من مصادر غير موثوقة و غير علمية : الإنترنت، أو الأصدقاء، أو الإعلام، وكلها قد تنقل معلومات مغلوطة أو ناقصة. من هنا تأتي أهمية التثقيف الجنسي الموجّه والواعي.
كيف تنتقل الأمراض الجنسية؟
يعتقد بعض المراهقين أن الأمراض الجنسية تنتقل فقط عند العلاقة الكاملة، وهذا غير دقيق. فبعض العدوى يمكن أن تنتقل من خلال التقبيل، أو الاحتكاك الجلدي، أو استخدام أدوات ملوثة مثل شفرات الحلاقة أو الحقن، أو حتى أثناء الولادة من الأم إلى الطفل. المعلومة الصحيحة هي خط الدفاع الأول.
التصرفات مثل تعدد الشركاء الجنسيين، أو ممارسة الجنس دون وقاية، أو مشاركة الأدوات الشخصية، كلها تزيد من خطر الإصابة. وعلى الرغم من أن بعض الأمراض تظهر عليها أعراض، فإن الكثير منها يمكن أن يصيب الجسم بصمت، ويبقى المراهق أو الشاب حاملاً للعدوى دون أن يدرك.
لماذا يكون المراهقون أكثر عرضة للإصابة؟
هناك عدة عوامل تجعل المراهقين والفئة الشباب أكثر عرضة للإصابة بالأمراض الجنسية:
1. قلة الوعي: بسبب التعتيم أو الخوف من فتح هذه الموضوع، يفتقر الكثير من المراهقين إلى الحد الأدنى من المعرفة الصحيحة حول كيفية انتقال العدوى، وأعراضها، وطرق الوقاية منها.
2. الاندفاع وسلوكيات الخطر: المراهقة فترة تجريب و كسر للقيود، مما يجعل الشاب أو الفتاة أكثر استعداداََ لتجربة سلوكيات قد تكون محفوفة بالمخاطر، خاصة في غياب المراقبة أو الحوار الأسري.
3. الخجل من طرح الاسئلة أو طلب المساعدة: حتى لو شعر المراهق بأعراض مقلقة، فقد يمتنع عن زيارة الطبيب أو التحدث إلى الأهل بسبب الخوف أو الإحراج، ما يسمح للعدوى بالاستمرار وربما التفاقم.
4. العلاقات العاطفية غير المستقرة: في هذه المرحلة، قد يندفع الشباب نحو علاقات غير مستقرة أو غير آمنة، مما يزيد من احتمالية انتقال الأمراض الجنسية .
أهم الأعراض التي يجب الانتباه لها
رغم أن بعض الأمراض الجنسية لا تظهر عليها أعراض واضحة، فإن هناك علامات قد تشير إلى وجود مشكلة صحية:
• حكة أو حرقة في المنطقة التناسلية.
• إفرازات غير طبيعية أو كريهة الرائحة.
• آلام أثناء التبول أو العلاقة الجنسية.
• تقرحات أو بثور في الأعضاء التناسلية.
• نزيف غير معتاد.
• تورم أو ألم في الخصيتين أو منطقة الحوض.
• تغير في لون البول أو وجود دم في البول.
أي من هذه الأعراض يجب أن يدفع الشاب أو الفتاة إلى مراجعة الطبيب فورًا، حتى لو شعر بالحرج أو الخوف، فالصحة أهم، والتأخير قد يزيد المضاعفات.
ما هي المضاعفات للأمراض الجنسية؟
إهمال الأمراض الجنسية أو تأخر علاجها قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تشمل:
• العقم: بعض الأمراض مثل الكلاميديا والسيلان قد تؤدي إلى التهابات مزمنة في الحوض، مما يعيق الخصوبة لدى النساء، وقد يؤثر على إنتاج الحيوانات المنوية لدى الرجال.
• تشوهات خلقية للجنين: في حال إصابة فتاة حامل بعدوى مثل الزهري أو الهربس أو HIV، يمكن أن تنتقل العدوى للجنين مسببة تشوهات أو وفاته.
• السرطانات: بعض الفيروسات مثل HPV ترتبط بزيادة خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم لدى النساء، وسرطان القضيب أو الشرج لدى الرجال.
• ضعف المناعة: فيروس HIV يهاجم جهاز المناعة مباشرة، ما يجعل الجسم عرضة للعدوى والأمراض الانتهازية.
• مشاكل نفسية: يشعر الكثير من الشباب بعد الإصابة بالخزي أو الندم أو الاكتئاب، ما قد يدمر ثقتهم بأنفسهم و يؤثر على علاقاتهم المستقبلية.
التحاليل الطبية التي يجب معرفتها
من المهم أن يعرف المراهق أن تشخيص الأمراض الجنسية لا يعتمد فقط على الأعراض، بل على فحوصات وتحاليل دقيقة، منها:
• تحاليل الدم للكشف عن الزهري، HIV، والتهاب الكبد.
• مسحة من عنق الرحم أو الإحليل للكشف عن الكلاميديا أو السيلان.
• تحليل بول لتحري التهابات المسالك المرتبطة بالأمراض المنقولة جنسياََ.
• اختبارات خاصة لفيروس HPV.
• فحص الأجسام المضادة في حالات العدوى الفيروسية مثل فيروس الكبد الوبائي.
إجراء هذه الفحوصات لا يعني الانحراف أو الخطأ، بل يدل على وعي ومسؤولية تجاه النفس والآخرين.
كيف يمكن الوقاية؟
الوقاية هي الركن الأساسي في حماية الشباب من الأمراض الجنسية. هناك عدة طرق فعالة يمكنهم اتباعها:
• الامتناع : الخيار الأكثر أماناََ هو الامتناع عن أي علاقة جنسية حتى النضج الكامل جسديًا وعاطفيًا ومعرفيًا، وفي إطار علاقة مستقرة ومسؤولة.
• الوقاية الطبية: استخدام الواقي الذكري بشكل صحيح يقلل من احتمالية الإصابة، وإن لم يمنعها تماما.ََ
• الفحص الدوري: حتى في حال عدم ظهور الأعراض، إجراء تحاليل دورية يساعد في الكشف المبكر.
• التطعيم: مثل لقاح HPV الذي يقي من بعض أنواع السرطان والعدوى الفيروسية.
• عدم مشاركة الأدوات الشخصية: مثل شفرات الحلاقة أو أدوات العناية الشخصية أو الإبر.
• طلب المشورة الطبية عند الشك: لا يجب تجاهل أي أعراض، بل يجب اللجوء إلى مختص دون خجل.
هل التثقيف الجنسي خطر؟
هذا السؤال يتردد كثيراََ، خاصة في البيئات المحافظة. لكن الواقع أن التثقيف الجنسي لا يشجع على الانحراف، بل يحمي من الوقوع في ممارسات غير آمنة. حين يعرف المراهق أن الأمراض الجنسية قد تؤدي إلى العقم أو الوفاة أو معاناة نفسية، فإنه غالبًا سيعيد التفكير قبل اتخاذ قرارات متهورة.
التثقيف الجنسي يشمل تعليم الشباب عن أجسادهم، وكيفية حماية أنفسهم، وكيفية التواصل الصحي مع الشريك مستقبلياََ، واحترام الذات والآخرين. إنها معلومات علمية، لا علاقة لها بالإباحية أو الانفتاح المفرط كما يُشاع.
دورة الأسرة في المجتمع
الأسرة هي الحصن الأول و هي الحضن الدافئ. العلاقة الصحية بين الأبناء والوالدين، المبنية على الثقة و الأمان، تُمكّن الشاب أو الفتاة من مشاركة مخاوفهم وأسئلتهم دون خوف. من المهم أن يعرف الأهل كيف يتعاملون مع هذا الموضوع بحكمة، بعيداََ عن التخويف أو الاتهام.
المدارس والمراكز الصحية يجب أن تقدم برامج توعوية مبنية على العلم والواقع، لا على الوصاية أو التلقين. كما يمكن للمجتمعات الدينية والثقافية أن تساهم في حماية الشباب من خلال توجيههم وتقديم بدائل إيجابية ونموذجية.
الشائعات والخرافات التي يجب تصحيحها
• “لا يمكن الإصابة من العلاقة الفموية أو التقبيل”: خاطئ، بعض الأمراض تنتقل بهذه الطريقة.
• “المرأة فقط هي من تنقل الأمراض”: غير دقيق، الرجال والنساء على حد سواء قد يصابون وينقلون العدوى للطرف الآخر.
• “الواقي يمنع كل الأمراض”: يقلل من احتمالية انتقالها لكنه لا يوفر حماية كاملة.
• “أنا صغير، لن أصاب”: السن لا يحمي من العدوى، ولكن الحماية بالوعي والسلوك.
• “الأمراض تختفي من تلقاء نفسها”: بعض الأمراض قد تكون مزمنة أو تؤدي إلى مضاعفات خطيرة إذا لم تُعالج.
الختام
الحديث عن الشباب والأمراض الجنسية ليس ترفيه ، بل ضرورة. الوقاية تبدأ بالوعي، والمجتمع مسؤول عن تهيئة بيئة داعمة لا تُدين المراهق، بل تحتضنه وتوجهه إلى الصواب. لا أحد مأمن من الخطر إذا لم يكن مسلحاََ بالمعرفة. وإن كنا نريد جيلاََ واعياََ صحياََ، علينا أن نكسر حاجز الصمت و الاستحياء ، ونبدأ الحديث من اليوم.
المراهق لا يحتاج إلى الخوف ليبتعد، بل يحتاج إلى فهم الواقع ليختار صحته ومستقبله بوعي.