المقدمة
في عالم تتسارع فيه وتيرة الحياة، يتزايد الاعتماد على الأطعمة الجاهزة والوجبات السريعة التي تفتقر إلى العناصر الغذائية الحيوية المهمة، مما يؤدي إلى بروز أمراض نادرة لكنها خطيرة، وهددة للحياة في بعض الأحيان. من بين هذه الأمراض، يبرز مرض البلاغرا (Pellagra) كواحد من الاضطرابات المرتبطة بنقص التغذية، وتحديداََ نقص فيتامين ب3 (النياسين) أو أحد مركباته الأساسية.
على الرغم من أن البلاغرا يُعد اليوم مرضاََ نادراََ في البلدان المتقدمة، إلا أنه لا يزال يشكل خطراََ في العديد من الدول النامية، أو لدى الأفراد الذين يعانون من سوء امتصاص أو اضطرابات غذائية لفترة طويلة من الزمن. يُعرف هذا المرض تاريخياََ بـ”مرض الثلاثة D” بسبب أبرز أعراضه: الإسهال (Diarrhea)، والتهاب الجلد (Dermatitis)، والخرف (Dementia)، وقد يضيف البعض “D” رابعة وهي الوفاة (Death)، في حال لم يتم علاج الحالة في الوقت المناسب.
في هذا المقال العلمي، سنستعرض هذا المرض المنسي، و نستعرض أسبابه، أعراضه، مضاعفاته، نُفرق بين الحقائق والشائعات التي تدور حوله، ونتعرف على التحاليل الطبية التي تساعد في تشخيصه.
ما هو مرض البلاغرا؟
البلاغرا (Pellagra) هو اضطراب ناتج عن نقص فيتامين ب3 (نياسين) أو حمض النيكوتينيك أو نقص الحمض الأميني التريبتوفان الذي يتحول داخل الجسم إلى النياسين.
يؤثر المرض بشكل مباشر على الجلد، الجهاز الهضمي، والجهاز العصبي المركزي.
في حال استمر هذا النقص دون علاج، قد يؤدي إلى تلف الدماغ و بشكل دائم، بل و حتى الوفاة.
ماهي أعراض البلاغرا؟
تنقسم أعراض البلاغرا إلى ثلاث فئات رئيسية تُعرف بـ “3D”:
1. التهاب الجلد (Dermatitis)
• احمرار الجلد، وخصوصاََ في المناطق المعرضة للشمس.
• تقشر الجلد وجفافه.
• ظهور طفح جلدي متناظر على جانبي الجسم.
• حكة في الجلد، شعور بالحرقان.
• الجلد يصبح خشن الملمس ويشبه الجلد المتقرن.
2. الإسهال (Diarrhea)
• إسهال مزمن أو متقطع.
• ألم في البطن، وانتفاخ.
• غثيان أو تقيؤ.
• فقدان الشهية وفقدان وزن ملحوظ.
• التهاب الفم واللسان، مع ظهور اللسان بلون أحمر غامق يصاحبه ألم.
3. الخرف (Dementia)
• فقدان الذاكرة.
• تشوش ذهني.
• تغيرات سلوكية.
• اكتئاب وقلق.
• تهيّج، فقدان القدرة على التركيز.
• في مراحل متقدمة: هلوسات، واختلال في الوظائف المعرفية.
ماهي الأسباب المؤدية للإصابة بالبلاغرا؟
رغم أن السبب المباشر هو نقص فيتامين ب3 أو التريبتوفان، إلا أن هناك عوامل كثيرة تؤدي إلى هذا النقص:
1. سوء التغذية
• الاعتماد على الذرة كمصدر رئيسي للغذاء دون تحضيرها بالطريقة الصحيحة (كما في بعض مناطق إفريقيا وأمريكا اللاتينية).
• الأنظمة الغذائية الفقيرة بالبروتين.
2. الإدمان على الكحول
• تناول الكحول يقلل من امتصاص النياسين.
• يسبب ضعف في الامتصاص المعوي للفيتامينات.
3. اضطرابات الجهاز الهضمي
• أمراض مثل داء كرون، الزلاقي (السيلياك)، متلازمة الأمعاء القصيرة، تؤثر سلباََ على امتصاص الفيتامينات.
4. الأدوية
بعض الأدوية تؤثر على استقلاب النياسين:
• أيزونيازيد (Isoniazid) لعلاج السل.
• هيدرالازين (Hydralazine).
• كاربامازيبين.
• 5-فلورويوراسيل.
5. الحالات الطبية المزمنة
• الفشل الكبدي أو الفشل الكلوي.
• السرطانات المزمنة.
• فيروس نقص المناعة البشرية (HIV/AIDS).
من هم الأكثر عرضة للإصابة بالبلاغرا؟
• الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية المزمن.
• المرضى الذين خضعوا لجراحات الجهاز الهضمي مثل تحويل مسار المعدة .
• مدمنو الكحول.
• كبار السن الذين لا يتناولون تغذية متوازنة.
• الأشخاص الذين يتبعون حمية نباتية صارمة دون تعويض بالفيتامينات.
• مرضى السل أو السرطان الذين يتلقون علاجاََ كيميائياََ.
مضاعفات البلاغرا
في حال لم يتم التدخل مبكراََ و علاج البلاغرا، فقد تتطور المضاعفات بشكل تدريجي وخطير:
1. تلف الجهاز العصبي المركزي الدائم
• يؤدي الخرف إلى فقدان القدرة على الحركة، التواصل، أو العناية بالنفس.
2. فقدان الشهية الحاد
• قد ينتهي بسوء تغذية شديد ومضاعفات نقص الفيتامينات الأخرى.
3. فقر الدم
• بسبب التأثير على امتصاص الحديد وفيتامينات أخرى.
4. الوفاة
• في حال تُرك المرض دون علاج، فإن تطوره قد يؤدي إلى الوفاة في غضون شهور.
حقائق عن مرض البلاغرا
1. البلاغرا ليست مرضاََ وراثياََ، بل غذائياََ في الأصل.
2. يمكن الوقاية منه بالكامل عبر تغذية متوازنة تحتوي على النياسين والتريبتوفان.
3. تم القضاء على المرض تقريباََ في الدول التي تدعم الغذاء المُحصّن بفيتامين ب3.
4. البلاغرا يظهر في صورة “بلاغرا ثانوية” لدى مرضى السرطان أو بعد الجراحات الكبرى بسبب سوء الامتصاص.
5. جرعات النياسين العلاجية قد تشفي الأعراض الجلدية والعصبية إذا اكتشفت مبكراََ.
شائعات حول البلاغرا
البلاغرا مرض جلدي فقط
الحقيقة: هو مرض يؤثر على الجلد والجهاز الهضمي والعصبي أيضاََ.
لا يصيب إلا الفقراء أو سكان الدول النامية
الحقيقة: يظهر البلاغرا في الدول المتقدمة أيضاََ، خاصة لدى مدمني الكحول والمرضى الذين يعانون من مشاكل امتصاص ، أو يتبعون أنظمة غذائية خالية من النياسين.
تناول الذرة يسبب البلاغرا
الحقيقة: الذرة بذاتها لا تسبب البلاغرا، إلا إذا لم تُطبخ بالطريقة الصحيحة (مثل استخدام النقع في الجير الحي الذي يحلل النياسين)، كما هو شائع في تقاليد بعض الثقافات.
بمجرد ظهور الطفح الجلدي، لا يمكن الشفاء
الحقيقة: عند التشخيص المبكر، يمكن الشفاء التام باستخدام النياسين.
أهم التحاليل لتشخيص البلاغرا
1. تحليل مستويات النياسين (Vitamin B3)
• يُقاس في مصل الدم أو البول.
• انخفاض واضح في تركيز النياسين يشير لنقص شديد.
2. تحليل حمض النيكوتينيك في البول
• يُظهر مدى إفراز الجسم لنياسين، ويُستخدم لتقدير النقص المزمن.
3. تحليل التريبتوفان
• خاصة في الحالات التي يكون فيها النقص في الحمض الأميني وليس الفيتامين مباشرة.
4. تحاليل الدم العامة
• CBC: قد يُظهر فقر دم.
• تحاليل الكبد والكلى: لتقييم سبب النقص أو سوء الامتصاص.
• فحص مستويات البروتين الكلي والزلال (Albumin).
5. تحاليل استقلابية شاملة
• خاصة في الحالات المرتبطة بالأدوية أو الإدمان.
العلاج والتدخل المبكر
يعتمد العلاج الأساسي على:
• إعطاء مكملات النياسين بجرعات علاجية قد تصل إلى 300-500 ملغ يومياََ.
• معالجة الأعراض المرافقة مثل الإسهال أو التهابات الجلد.
• تصحيح النظام الغذائي وإضافة الأطعمة الغنية بالبروتين والفيتامينات.
• معالجة السبب الجذري (مثل إيقاف الأدوية المؤثرة أو علاج الأمراض المعوية ).
أبرز الأطعمة الغنية بفيتامين ب3
• الكبد واللحوم الحمراء.
• الدواجن.
• الأسماك (مثل التونة والسلمون).
• الحبوب الكاملة.
• البقوليات.
• الفطر.
• الفول السوداني.
• الحليب والبيض (كمصدر للتريبتوفان).
لمعرفة المزيد https://balancelab.sa/فيتامين-ب3-النيا…-ما-تحتاج-معرفته/
الختام
مرض البلاغرا هو مثال حي على كيف يمكن لنقص بسيط في أحد الفيتامينات أن يؤدي إلى سلسلة من الأعراض الخطيرة التي قد تنهي بحياة الإنسان. على الرغم من قلة انتشاره في العصر الحديث، إلا أن وجوده ما يزال قائماََ في الفئات الأكثر هشاشة مثل مرضى الإدمان، وسوء الامتصاص، أو الأنظمة الغذائية القاسية.
الوقاية منه تبدأ من غذاء متوازن ووعي طبي. ومن المهم دائماََ عدم الاستهانة بأعراض الجلد أو الجهاز الهضمي أو العصبي التي قد تشير إلى مشكلة خفية في النظام الغذائي.
في نهاية المطاف، البلاغرا ليس مرضاََ يجب أن يُنسى، بل يُعاد اكتشافه وتذكيره، خصوصاََ في زمن تتزايد فيه الأنظمة الغذائية غير الصحية ونقص الوعي بالتغذية السليمة.